السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا أنتمي لعائلة فيها تاريخ مرضي متوارث بنوبات الصرع، من الجدة للأم، وكذلك إصابة بنات خالاتي بكهرباء الدماغ الزائدة، وأنا مريضة باضطرابات المزاج القلق، مع اكتئاب حاد، ولا أدري هل هو ما يعرف بثنائي القطب، أم لا؟ لكن بحسب ما كتب لي في التشخيص الأخير: أنه اضطرابات المزاج القلق، واكتئاب حاد.
منذ عشر سنوات وأنا أستعمل الأدوية بدون نتيجة؛ فالتحسن يكون في الأيام الأولى واضحا، ولكن بعد فترة يتعود جسمي على الدواء، ويصبح بلا نتيجة.
لقد مللت من ترديد معاناتي الشخصية، ويئست؛ لأني أدركت أنه شيء مزمن، وقد قال لي الطبيب الذي كنت أتابع معه: إن إيفكسور هو أكثر دواء يعتقد أنه قد يأتي بنتيجة، واستمررت عليه لسنة و4 أشهر ماضية، بجرعة 150 ملجم، وقد لاحظت تحسنا ملحوظا، وليس كاملا؛ فلم أكن أستطيع الخروج من المنزل للذهاب إلى موعد طبيب الأسنان؛ فم أكن أجد دافعا للخروج، وتركت إيفكسور منذ سنة وأربعة أشهر.
بعدها انهارت حياتي، لدرجة أنني لا أستطيع وصفها، على الرغم من أنني استعملت كثيرا من مضادات الاكتئاب، منها: (سمبالتا)، و(سيروكسات) وغيرها، واستعملت أدوية كثيرة، منها: (سبرام)، و(سيبرالكس)، بدون وصفة طبية، ولا متابعة، وتركتها.
الآن أستعمل (لوسترال) بدون وصفة، ولكني عرفت أنه قريب من سمبالتا، وقد وصف لي نفس الطبيب سمبالتا، وقد لاحظت تحسنا كبيرا، ومنذ 17 يوما، وأنا مستمرة عليه، بجرعة 50 ملجم، وأحس نوعا ما بتحسن، فهل أزيد الجرعة، أم أبقى على نفس الجرعة؟ كما أريد توضيحا كاملا عن مزايا هذا الدواء، وهل يستعمل بنجاح في علاج حالتي؟ أم تنصحني بدواء آخر؟ وعند استعمالي له أصبحت أهتم بالخروج، أو أفكر في ذلك.
ملاحظة: تركت المتابعة في العيادة منذ سنتين بعد المواظبة، ومن حينها تغير حالي، ولم أعد أهتم بذلك، وقد حدثت لي مشاكل مع زوجي، وأهله، ولا يوجد اهتمام من الأهل أو الزوج بعلاجي، مما أثر على نفسيتي كثيرا، كما أنني أعاني من متلازمة ما قبل الطمث، وتشتد الأعراض قبل الدورة بعشرة أيام، وقد أصابني خمول شديد، فهل هذا طبيعي؟
لقد تغيرت حالتي كثيرا عندما تركت الإيفكسور، ولم أعد أستطيع السيطرة على حياتي وأموري، وأشعر بتشتت، وضعف في التركيز، وقلق مستمر، وتركت التواصل بالتليفون مع صديقاتي تماما، وأصبحت أكره الاجتماع بأي أحد، وأعاني من تأنيب الضمير، وتحقير الذات، وأفكار، ومن الاكتئاب عموما، وتذكر الماضي باستمرار، وعدم تجاوزه، وكأني أعيشه من جديد.
نومي طبيعي، ولكن عندي تحسس من الضوء، وضعف في النظر، وأعتقد أن ذلك بسبب أدوية الاكتئاب، كما أعاني من خمول شديد، وشهية مستمرة؛ آكل بهدف تهدئة نفسي، وليس هذا من ترك الدواء، ولكن أعاني من أم زوجي وأهله كثيرا، وخاصة بعد محاولتهم لإبعادي عن زوجي، فقد أصبحت أشعر بالخوف منهم، وبعدم الأمان أكثر.
أتمنى أني قد أوصلت لكم فكرة صحيحة عن حالتي؛ لأني أحس بأني لست قادرة على التفكير، وأشعر وكأني في حلم، وقلق شديد منذ عشر سنوات، وعدم تقبل للواقع، والإساءات التي تعرضت لها من الزوج، أو من أمي.
قرأت كثيرا عن اضطراب الشخصية الحدية، وأشعر أن هذه مشكلتي بالضبط، أتمنى التوضيح، جعل الله جهدكم في ميزان حسناتكم، ووفقكم لما يحبه ويرضاه.
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
أعتقد إلى درجة كبيرة أنك تعانين مما يعرف بالقلق الاكتئابي، ولا أعتقد أن هنالك أي مؤشرات على أنك تعانين من اضطراب الوجدان ثنائي القطبية، فالذي تعانين منه حالة نفسية اكتئابية أحادية القطبية، وليس أكثر من ذلك.
الاضطراب النفسي -أيا كان نوعه- يمكن علاجه، ورحمة الله لا حدود لها، وكثير من الناس شاهدنا معاناتهم، وفجأة شاهدناهم قد تحسنوا لدرجة كبيرة جدا، وأنا أقول لك: إن العلم في تقدم، والمستقبل -إن شاء الله- يأتي بطرق، وسبل، وأدوية، قد تكون أفضل فعالية، وأنا حقيقة لا أريد أن أخوض في موضوع الأدوية.
تغيير التفكير مهم جدا، وما يسمى بعلم السلوك، والعلاج السلوكي المعرفي مهم وضروري، وهو ليس بالتعقيد الذي يعتقده البعض، نعم، إذا تعالج الإنسان على يد مختص، هذا -لا شك- أفضل، ولكن عموميات هذا العلم، وطرق علاجها تقوم على أن الإنسان يجب أن يغير من فكره السلبي إلى فكر إيجابي؛ لأن الفكر السلبي يؤدي إلى انفعالات سلبية، وهذه تؤدي إلى أفعال سلبية، فالفكر السالب الداخلي للإنسان، والصورة السلبية التي يضعها عن نفسه، أو حتى عن الآخرين، والعالم من حوله، ليست مفيدة من الناحية النفسية.
بيئة الإنسان لا نستطيع أن نتحكم فيها أحيانا، وخاصة الأمور المتعلقة بالزوج، وأهل الزوج، والأهل، والأقرباء، ويجب أن ننظر إليها بإيجابية، وليست نظرة قاتمة، ويجب أن نحاول أن نجد العذر لمن يسيئون معاملتهم معنا، وهذا مبدأ أعتقد أنه طيب، ومريح، ويجعل الإنسان في رضى، فتفكيرك يجب أن لا يكون معيقا لك، وأنت -والحمد لله- لديك نعم كثيرة، ولديك إيجابيات في حياتك، فيجب أن تكوني متفائلة؛ لأن التفكير الإيجابي هو الأساس الرئيس للصحة النفسية السوية.
إصابتك بمتلازمة ما قبل الطمث، هذا دليل أيضا على وجود القلق لديك، ويعرف عن هذه المتلازمة بأنها تتبدل وتتغير، وبصفة عامة: يحدث تحسن لكثير من النساء مع مرور الزمن والأيام، وهي تعتبر أيضا من الحالات التي تؤدي إلى اضطراب المزاج، وليست أكثر من ذلك، فالماضي يجب أن تنظري إليه كعبرة، وكتجربة، والحاضر يجب أن تعيشيه بقوة، وأن تنظري إلى المستقبل، وتستقبليه بأمل ورجاء.
هذا الألم النفسي والجسدي الذي تعانين منه، يعالج عن طريق ممارسة الرياضة، وقيمة الرياضة الآن أثبتت بما لا يدع مجالا للشك؛ فالرياضة تمتص الطاقات النفسية السلبية، وتبني طاقات إيجابية، وتحسن من الدافعية، وتحسن من الإقدام، وتجعل الإنسان متفائلا، وتجعله يشعر بالرضى عن ذاته، فأرجو أن تضعي لنفسك برنامجا مستمرا، تمارسين من خلاله الرياضة التي تناسبك كامرأة مسلمة، وأنصحك أيضا بإدارة الوقت بصورة صحيحة؛ فهذا أيضا وسيلة ممتازة جدا، فأرجو أن تحرصي على ذلك.
ما ذكرته حول الشخصية الحدية، لا أريدك أن تلصقي هذه الصفة بنفسك؛ لأن الشخصية الحدية ليست كلمة سهلة، كما أنها تقاوم العلاج، لا أقول إن العلاج ميؤوس، ولكن لم أشعر أنك تعانين من الشخصية الحدية، أنت قلقة، متقلبة المزاج، وهذا هو الذي لديك، وليس أكثر من ذلك، وهذا يظهر في شكل أعراض نفسية واضحة.
بالنسبة للعلاج الدوائي، عقار زولفت يعتبر علاجا جيدا، وعليك أن تصبري عليه، وهذا هو المهم، ويجب أن تكون الجرعة صحيحة؛ فأنت الآن تتناولين الدواء منذ ثلاثة أسابيع، استمري على جرعة حبة واحدة لمدة شهر، ثم بعد ذلك ارفعي الجرعة إلى حبتين، ويمكنك أن تتناوليها كجرعة واحدة مساء، أو بمعدل حبة صباحا، وحبة مساء، ومن وجهة نظري أن هذه هي الجرعة العلاجية التي تناسب حالتك، علما بأن الزولفت يمكن تناوله حتى أربع حبات في اليوم -أي مائتي مليجرام- ولكن لا أعتقد أنك في حاجة لهذه الجرعة.
المهم هو الالتزام التام بجرعة المائة مليجرام يوميا، وأنا أرى أن تستمري عليها لمدة عام، وهذه ليست مدة طويلة؛ فأنت جربت، وعانيت، ولك خبرة واسعة في الأدوية، وفترة العام ليست فترة طويلة أبدا، وبعد انقضاء هذه المدة -إن شاء الله- نفكر بأن ننقلك إلى الجرعة الوقائية، وهي حبة واحدة في اليوم.
بجانب الزولفت هنالك عقار يعرف تجاريا باسم (فلوناكسول Flunaxol)، ويعرف علميا باسم (فلوبنتكسول Flupenthixol)، وهذا الدواء بجرعة صغيرة وجد أنه ملطف للمزاج، ووجد أنه جيد جدا لعلاج القلق النفسي، وهذا الدواء له خاصية تدعيمية، أو تضافرية حينما يعطى مع الزولفت، فابدئي في تناوله بجرعة نصف مليجرام في الصباح لمدة أسبوع، ثم ارفعي الجرعة إلى نصف مليجرام صباحا ومساء لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضيها إلى حبة واحدة في الصباح لمدة شهر، ثم يمكن التوقف عن الدواء.
ختاما: أود أن أشكرك على رسالتك الطيبة هذه، وأدعو الله لك بالشفاء والعافية، وأرجو أن تكوني إيجابية في تفكيرك، وفي مشاعرك، وفي أفعالك، وكوني متسامحة، وتناولي الدواء الذي وصفته لك، ومارسي الرياضة، وعليك بتقوى الله، والدعاء، والذكر، وتلاوة القرآن، وهذه كلها معينات على تعديل السلوك، وانشراح النفس، واطمئنانها.
وبالله التوفيق.