كيف أتخلص من الخوف من الأماكن المرتفعة؟

0 1

السؤال

السلام عليكم.

بداية: أشكر الدكتور/ محمد عبد العليم على صبره ورده على أسئلة المرضى، وأسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناته، وأن ينفع به المسلمين.

أنا شاب، عمري 30 سنة، رزقني الله بوظيفة ممتازة، وكنت أحب وظيفتي، ولكن هناك شيء في الوظيفة ينغص حياتي، وهو طلوع الأماكن العالية، فأنا مجبر على ذلك، ولكن مع الأيام لم أستطع تحمل تلك الوظيفة، وكنت أتهرب من العمل، فصرت أفكر في التخلص من تلك الوظيفة، ولكن لم أستطع، وحاولت شرح ذلك لرؤسائي في العمل، لكن دون جدوى، وكنت أحس بألم فوق المعدة، وانتفاخات في البطن، وقلق، وخوف بسبب تلك الأعراض، لدرجة أنها تضيق مجرى تنفسي، وتبرد أطرافي، مع دوخة، وثقل في كلامي وحركتي لفترة من الوقت.

أمضيت 12 سنة في هذه الوظيفة، ولكن لا أستطيع طلوع الأماكن العالية، أو ركوب الطائرات، حتى أني لا أنظر إلى الأماكن العالية، والمنحدرة، وحتى النظر إلى الطائرة وهي في الجو، أو النظر إلى القمر وهو مكتمل؛ لأني أحس أني بعيد عن القمر، وأفكر بالمسافة بين القمر والأرض، فتصيبني نوبة هلع وخوف، وتنتفخ بطني، فصارت حياتي مملة، وغير ممتعة.

وللعلم: فأنا أستعمل دواء اسمه فيرين لتقلصات المعدة والقولون، وهو مهدئ فقط، ولكن دون جدوى، فهل هناك حل لحالتي؟

ولك جزيل الشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكر لك تواصلك مع إسلام ويب، وعلى ثقتك في هذا الموقع، وعلى كلماتك الطيبة، ونسأل الله أن نكون عند حسن الظن، وأن يتقبل الله منا، وأن ينفع بنا جميعا.

الحالة التي تعاني منها هي مخاوف المرتفعات، وهذه تشخص تحت ما يسمى المخاوف البسيطة، وهي متعددة بالطبع؛ فإن هنالك الخوف من الظلام، والخوف من الحيوانات، والخوف من المرتفعات، والخوف من الأماكن الضيقة، والخوف من الأماكن المزدحمة، والخوف من ركوب الطائرات والسيارات، وهكذا، وهي مخاوف كثيرة، ومنتشرة جدا، وأعرف أنها معيقة في بعض الأحيان، وتؤدي إلى حرمان بعض الناس المتميزين جدا من القيام بواجباتهم، وقد يفقدون أيضا أعمالا مهنية جيدة، وقد ذكر أن أحد لاعبي كرة القدم بإنجلترا كان لاعبا جيدا، ومشهورا، ومتميزا، ولكن منتخب بلاده كان يفتقده؛ لأنه كان يخاف ركوب الطائرات، وهكذا...، فإذا هذه المخاوف معروفة ومنتشرة.

والمخاوف بالطبع يتأتى عنها -كما تفضلت وذكرت- بعض الأعراض الجسدية؛ فأنت شعرت بكثير من الأعراض الجسدية، وما وصفته بالقولون العصبي هو ناتج عن القلق المرتبط بالمخاوف التي تعاني منها؛ حيث إن المخاوف في الأصل هي نوع من القلق، والقلق يؤدي إلى أعراض كثيرة جدا في الجهاز الهضمي خاصة.

والعلاج: هو أن تتفهم هذه الحالة، وهي أنها حالة مكتسبة، ومتعلمة، وكل شيء يكتسبه الإنسان يمكن أن يفتقده، وربما تكون هذه الحالة قد حدثت لك نسبة لخبرة سابقة، أو تجربة قد مررت بها دون أن تركز عليها، والعلاج يتمثل أولا وأخيرا في تحقير الفكرة؛ فاعلم أولا أنها مزعجة، ولكن إذا بدأت في تحقيرها، وذلك من خلال النقاش مع النفس، ونقاش مركز ومعرفي، بأن تحقر هذه الفكرة، وتقول لنفسك: (ما الذي يجعلني أحس هكذا؟ انظر لهؤلاء الأشخاص الذين يتسلقون الجبال، وهؤلاء الذين ينظفون المباني الشاهقة العالية)، ومنذ فترة قريبة قد تكون لاحظت أن أحد الفرنسيين تسلق أبراج بتروناس في ماليزيا، واجعل لنفسك فرصة للتفكير والقيام بمثل هذه المقارنات؛ فهذا يساعد كثيرا في تغيير المفاهيم.

ثانيا: أريدك أن تبدأ برامج عملية وتطبيقية، وهذه البرامج يمكن أن تكون برفقة أحد أصدقائك في المرحلة الأولى، ولكن في نهاية الأمر يجب أن تطبقها لوحدك، مثلا: اذهب إلى إحدى العمارات الموجودة بالقرب من مسكنك، أو في مكان عملك، واصعد إلى الطابق الأول فقط، وقف على الحافة، وانظر إلى الأرض لمدة لا تقل عن عشرة دقائق، وبعد ذلك ارجع مرة أخرى إلى الطابق الأرضي، ثم اصعد إلى الطابق الأول، ولا تزد على ذلك أبدا، وانتظر لمدة عشرة دقائق إلى ربع ساعة، وانظر إلى الأرض، وإذا أحسست بأي نوع من الخوف، أو الضيق، فحاول أن تأخذ نفسا عميقا وبطيئا، وهذا هو المبدأ السلوكي المعروف، والذي يسمى بالعلاج التعريضي، أو التعرض؛ لأن التجنب يزيد من المخاوف أيا كان نوعها.

وبعد ذلك –وهذا يمكن أن يكون في اليوم الثاني مثلا– انتقل إلى الطابق الثاني، وقم بتكرير نفس التمرين، ولكن في هذه المرة اجعل المحاولات من 3 إلى 4 مرات، ولا تزد على ذلك، وفي اليوم الذي يليه اصعد إلى الطابق الأول، ثم إلى الطابق الثاني، ولا تزد على ذلك أيضا، وفي اليوم الرابع يجب أن تصعد إلى الطابق الثالث، وتكرر نفس الذي ذكرناه لك، وهكذا -أيها الأخ الكريم-، وأنت حين تصعد يجب أن تتأمل هؤلاء الذين يصعدون إلى هذه المرتفعات الشاهقة.

أما بالنسبة للطائرة: فالطائرة نعمة من نعم الله تعالى علينا، وليس هنالك أبدا ما يمنعك من ركوبها، والذي أريده منك أيضا هو أن تعرض نفسك، وذلك بالإكثار من الذهاب إلى المطار، وفي بعض البلدان تستطيع أن تشاهد الطائرات الصاعدة، والهابطة، والمقلعة، وهكذا، عرض نفسك لهذا الأمر، وتذكر دائما أن دعاء الركوب حين يركب الإنسان الطائرة يبعث طمأنينة عظيمة في الإنسان، وأنا شخصيا جربت هذا الأمر، فلا تبن أي حواجز نفسية تمنعك من هذه الممارسات العادية.

وهكذا توجد عدة تمارين سلوكية كثيرة جدا، وهنالك ما يعرف بتمرين اتخاذ النموذج؛ أي تحاول أن تقتدي بشخص معين كطيار مثلا، هنالك تمارين تسمى بتمارين الإغراق، أو الإغماء؛ وهي أن تركب المصعد مثلا، وتغمض عينك، وفجأة تتوقف في الطابق العاشر في أحد البنايات، ثم تنظر إلى الأرض، وهكذا، وهذه تمارين كلها فاعلة ونافعة، لكنها تتطلب الإرادة، وتتطلب العزيمة، ويا حبذا لو تواصلت مع أحد المعالجين الأخصائيين النفسانيين، وليس الأطباء النفسانيين في بلدك، وهم كثر جدا.

بالنسبة للجانب الآخر في العلاج، وهو العلاج الدوائي:

فإنه يوجد -بفضل الله تعالى- أدوية متميزة، ومفيدة جدا، وأنا سوف أصف لك أحد الأدوية المزيلة للمخاوف، والخوف المبسط بصفة خاصة، والدواء يعرف تجاريا باسم (بروزاك Prozac)، ويسمى علميا باسم (فلوكستين Fluoxetine)، أرجو أن تبدأ في تناوله بجرعة نصف حبة (عشرة مليجرام)، تتناولها يوميا بعد الأكل لمدة أسبوعين، ثم ارفع الجرعة إلى حبة كاملة، واستمر عليها لمدة شهر، ثم ارفعها إلى حبة ونصف –أي ثلاثين مليجراما– يوميا، ويمكنك أن تتناولها كجرعة واحدة، وبعد شهر ارفع الجرعة إلى حبتين، وهذه هي الجرعة المطلوبة في حالتك، استمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك خفض الجرعة بمعدل نصف حبة كل ثلاثة أشهر، وحين تأتي لنصف الحبة الأخير تناوله لمدة ثلاثة أشهر -كما ذكرنا-، ثم تناوله نصف حبة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناوله، والبروزاك من الأدوية الممتازة والفعالة، والمفيدة جدا -بإذن الله تعالى-.

بجانب البروزاك هنالك دواء آخر يساعد، وهو دواء مضاد للقلق، وقد وجد أن تناوله مع البروزاك يؤدي إلى فعالية أكثر، الدواء يعرف تجاريا باسم: (فلوناكسول Flunaxol)، ويعرف علميا باسم (فلوبنتكسول Flupenthixol)، أرجو أن تتناوله بجرعة نصف مليجرام -حبة واحدة- يوميا في الصباح، لمدة أربعة أشهر، ثم يمكنك التوقف عن تناوله.

أرجو أن تعيش حياتك بصورة طبيعية جدا، وأن لا تجعل هذه الحالة تسبب لك أي نوع من الإعاقة، وأنا على ثقة تامة أنك -إن شاء الله- سوف تتخلص من هذه الحالة البسيطة، بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب.

مواد ذات صلة

الاستشارات