فقداني لحنان الأب جعلني أتعلق بمن هم أكبر مني سنًا، فما توجيهكم؟

0 3

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شيخي الكريم، أود أن أسأل عن أمر لا أدري كيف أبدأ في وصفه.
أحمد الله تعالى فأنا أحفظ القرآن وأخشى الله كثيرا، وقد بلغت من العمر السادسة والعشرين عاما، لكنني أشعر وكأن عمري عشر سنوات، ومشكلتي هي كالتالي:

نشأت في أسرة بسيطة، مع أب وأم يخشيان الله ويحبان الآخرة، وكانا نعم الأبوين، وبدأت القصة بمرض الأب، وأتذكر أنه كلما تألم كان يحمد الله، وفجأة بدأ أبي يحدثنا عن الموت، وأنه سيفارق الحياة، وفعلا توفي إلى رحمة الله.

بدأت والدتي تربيتنا وتعليمنا حتى أصبحنا مهندسين ومدرسين وأطباء، وفجأة -بعد وفاة الأب بخمس سنوات- شعرت أمي بالألم وأصيبت بالسرطان، وأجمع الأطباء على أنها ستفارق الحياة بعد أيام، ومن العجيب أن أمي وهي في غيبوبتها كانت تقول: "محمد رسول الله"، وتنادي على أبي، وعندما أفاقت أجلستنا حولها وقالت: "أنا أحبكم يا أولادي"، وأخذت تبكي وقالت لنا: "إن الجنة حلوة"، وتوفاها الله، وأثناء ذلك وقبل الوفاة كانت تتألم وتنظر إلي وتطلب مني أن أساعدها، ولكن لم أستطع فعل شيء.

بعد هذا كله شعرت أن الدنيا ليس لها طعم، وبدأت أتقرب من الله وأفكر أنني سأموت في أي وقت، وأحاول أن أعمل أعمالا صالحة، ولكن مشكلتي -يا شيخ- أنني رغم هذا أفعل معاص، وأنجذب لهذه الدنيا الغادرة.

فأنا -يا شيخ- أصبح بداخلي إحساس جميل وهو الحنين إلى الأب، أريده أن يحضنني ويضمني ويشعرني بالأمان، ولكنني لا أجده، ومشكلتي أنني أحب من هم أكبر مني سنا، أصحاب الستين عاما، أحبهم دون أن يعلموا أنني أحبهم، وأتمنى لو يحضنونني أو يشعرونني أنني ابنتهم، ولكن لا أحد يشعر بي.

ذهبت إلى خالي وقلت له إني أحبه مثل أبي، فقال لي: "وأنا كذلك"، وتحدث معي ببرود، وكأني إنسانة ساذجة، لا أحد يفهمني.

أنا لست مريضة، أنا أبحث عن من يعوضني عن فقدان أبي، فأنا لم أتزوج، وأضع شروطا لمن يريد أن يتقدم لي: أولا أن يكون حافظا للقرآن وعاملا به، وأن يكون مستعدا أن يضحي بنفسه في سبيل الله، وأن يكون مثل والدي.

هذه هي مشكلتي مع الحياة ومع الناس ومع نفسي، بالله عليك -يا شيخ- ساعدني، ماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمان .. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في موقعك استشارات إسلام ويب بين آباء لك وإخوان، ولقد فرحنا كثيرا بما أخبرتنا به من حفظك لشيء من القرآن والتزامك بدينك، ونسأل الله تعالى أن يزيدك هدى وسدادا.

ومما لا شك فيه أن فقد الوالدين ووفاتهما ليس بالأمر السهل، ويفقد الإنسان بفقدانهما كثيرا من معاني الحنان والرحمة، ونحن نشعر بما تشعرين به من فقدان هذا الحنان، ولكن هذه مصيبة إذا نزلت بالإنسان فعليه أن يتلقاها بالصبر على قضاء الله وقدره، ويرضى بما كتبه الله تعالى له، وفي قدر الله تعالى لك الخير كله من حيث تشعرين أو لا تشعرين به.

ومما يهون عليك وقع هذه المصيبة كون والديك كانا صالحين من أهل الاستقامة، وحديث الأم عن الجنة وهي في اللحظات الأخيرة في هذه الدنيا مما يبشر -إن شاء الله تعالى- بحسن ختامها ومصيرها، ومما أخبرنا الله تعالى به في كتابه وبشرنا به: اجتماع الآباء والأمهات بأبنائهم إذا كانوا جميعا من أهل الإيمان والعمل الصالح، فقد قال سبحانه: ﴿والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم﴾ [الطور: 21].

فوصيتنا لك -أيتها الكريمة- أن تصرفي تفكيرك وذهنك نحو ما يقربك من الله ويرضيه عنك، وأن تكثري من الاستغفار لوالديك والدعاء لهما، فالدنيا رحلة قصيرة مهما بدت لنا على خلاف ذلك.

وما تجدينه من حب لكبار السن من أقاربك أمر طبيعي، تحاولين من خلاله تعويض نفسك عما فقدته من حنان الوالدين، ويبقى الأمر مقبولا ما دام في حدوده الصحيحة، أي أن يكون حبا للكبار من المحارم، وهذا ما فهمناه من كلامك، وينبغي لك أن تتفهمي ما تسمينه بـ "برود علاقة هؤلاء المحارم بك"، فهم يتعاملون معك كما يتعاملون مع مثلك من الأقارب، وقد لا يشعرون بما تؤملينه منهم من حنان يعوضك عن كل حنان والديك، وهذا نادر في العادة.

ومما لا شك فيه -أيتها الكريمة- أن هناك أنواعا من الحب فيها ما يعوضك عما فاتك من حب الوالدين والتعلق بهما، ومن ذلك:

1. حب الله تعالى والتعلق بذكره وإشغال النفس بطاعته: فهذا الحب فيه سعادة الدنيا والآخرة وسكينة النفس وهدوء البال.

2. حب المرأة لزوجها: فننصحك بالإسراع بالزواج، ولا تبالغي في الشروط التي قد تضيعين بها فرص الزواج ممن يتقدم لك، فيكفي أن يكون رجلا صالحا في دينه وخلقه، قادرا على تحمل أعباء الأسرة، فإذا وجدت من هذا وصفه فبادري إلى الزواج.

3. حب الأبناء والبنات: وهذا -إن شاء الله- ستجدينه بعد الزواج، فدعي عنك الهم والحزن، فالمستقبل -إن شاء الله- مملوء بالأفراح والمسرات، وما عليك إلا أن تتوجهي إلى الله تعالى، وتستعيني به، وتسألينه أن يحقق لك ما يسعدك في دنياك وآخرتك.

وفقك الله لكل خير، ويسره لك.

مواد ذات صلة

الاستشارات