السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سأسرد لكم قصتي منذ سن البلوغ إلى الآن، وأنا في التاسعة والعشرين من عمري.
أشعر بقلق دائم، ولا أستطيع أن أجد استقرارا نفسيا، ولا أتمكن من التواصل جيدا مع الآخرين، وعندما أختلط بجيراني أو صديقاتي، أشعر برعشة في يدي، حتى إنني أصبحت أكره أن أقدم شيئا، كما ينزل العرق في منطقة الإبطين، ويتضح على ملابسي، وأتلعثم في الكلام، فأفضل في هذه اللحظات أن أكون صامتة، حتى لا يلاحظ الجميع ما يحدث لي.
وإذا كان الموضوع يتعلق بي، فلا أستطيع أن أتحكم في يدي التي تصبح مشغولة بشعري بشكل مستمر، والخوف الأكبر لدي هو الجلوس بمفردي مع أي شخص، سواء كان والدي، أمي، أخي، أو أختي، كما أنني أتأخر في الذهاب إلى الدعوات الاجتماعية، وأبكر في مغادرة بيتي لتجنب الوحدة.
أحب أن أعيش في عالم خيالي، وأشعر بكثرة الشك في سلوك زوجي بسبب موقف وقع أمام عيني، حيث كان يغازل امرأة، وهو يخاف الله، لكنني صرت لا أثق به.
أفكر في استقدام خادمة، لكنني أخاف أن أواجه مشكلة أكبر بعيني، رغم أنني في أمس الحاجة إليها، خاصة أن لدي طفلة في الثالثة من عمرها، وقد أصيبت بالتهاب السحايا عندما كانت في خمسة أشهر من عمرها.
ومنذ ذلك الحين، أصيبت بشلل تشنجي نصفي، ولا تستطيع المشي حتى ولا تتكلم، لكن هناك تطور إيجابي في حركتها -الحمد لله-.
بعد إصابة ابنتنا بالمرض، تغيرت حياتنا أنا وزوجي بشكل جذري، وأصبحنا نشعر أن الحياة فقدت طعمها.
أرجوك -يا دكتور-، انتشلني من هذه الأزمة النفسية التي آذتني ونغصت حياتي، علما أنني طيبة المعشر مع من أرتاح لهم، وناجحة في بيتي وفي تربية أبنائي، وظروف الدراسة كانت متاحة لي، لكن بعد مرض ابنتي، توقفت عن الدراسة، والأمر العجيب أنني حتى نسيت جدول الضرب، ولم أعد أتمكن من تذكره.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم بيلسان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأسأل الله تعالى لابنتك الشفاء والعافية، وأسأله تعالى الهداية لزوجك، وإن هذه الأعراض التي ذكرتها، من: قلق، وفقدان للاستقرار النفسي، وكذلك الأعراض الفسيولوجية: مثل الشعور بالرجفة، وكذلك التلعثم في الكلام، هي كلها دليل على وجود قلق نفسي، والقلق النفسي الذي تعانين منه يتخلله بعض الأعراض الاكتئابية؛ ولذا المسمى العلمي التشخيصي لحالتك، هو القلق الاكتئابي، وهي -إن شاء الله- ليست من الحالات الخطيرة، وليست من الحالات المزعجة، ولكن بالطبع لا بد أن تعالج.
أول نقاط العلاج: هي أن تبني تفكيرا إيجابيا حول نفسك، وحول مستقبلك، لا تضعي صورة سلبية عن نفسك أبدا، فأنت -الحمد لله- لديك إيجابيات مهما كانت النواقص، ومهما كانت الانزلاقات الحياتية، إلا أنه -الحمد لله- توجد إيجابيات في حياتك.
أما الأمر الآخر فهو أن تديري وقتك بشكل جيد، فلديك ابنة من ذوي الاحتياجات الخاصة، ولا شك أن ذلك يتطلب وقتا وجهدا كبيرا منك، ومع ذلك، يجب أن تتذكري أن لنفسك عليك حقا، لذا، أحسني إدارة وقتك بين تدبير أمور البيت، والإشراف على ابنتك، وأخذ قسط من الراحة، هذا سيساعدك كثيرا -إن شاء الله- على التكيف والتأقلم بشكل أفضل مع وضعك.
لا شك أن العلاج الدوائي مطلوب في حالتك، -والحمد لله تعالى- توجد أدوية بسيطة وجيدة وغير إدمانية، فهنالك دواء يعرف تجاريا باسم (سبرالكس Cipralex)، ويعرف علميا باسم (استالوبرام Escitalopram)، أرى أنه سيكون مناسبا جدا لك، وهو متوفر في محل إقامتك، ولكن يتطلب وصفة طبية، فقط عيبه أنه قد يكون مكلفا بعض الشيء، ولكنه -بفضل الله تعالى- موجود في قسم الطب النفسي.
فإن أردت أن تتواصلي مع أحد الأطباء هنالك، فسوف يقوم الطبيب بفحصك، -وإن شاء الله- يصف لك هذا الدواء، أو أي دواء آخر يراه مناسبا لك.
عموما إذا أردت أن تحصلي على السبرالكس بنفسك؛ فالجرعة المطلوبة في حالتك هي جرعة صغيرة، تبدئي بنصف حبة -أي 5 مليجرام، من فئة الحبة التي تحتوي على 10 مليجرام، تناولي هذه الجرعة الصغيرة يوميا لمدة عشرة أيام، ثم ارفعي الجرعة إلى حبة كاملة -أي 10 مليجرام-، وتناوليها يوميا، ويفضل ليلا بعد الأكل، ويجب أن تستمري عليها لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك خفضي الجرعة إلى 5 مليجرام ليلا لمدة أسبوعين، ثم 5 مليجرام يوما بعد يوم لمدة أسبوعين آخرين، ثم توقفي عن تناول الدواء.
هذا الدواء من الأدوية الطيبة والفاعلة، والممتازة، وغير التعودية، وغير الإدمانية.
هذا هو الذي أود أن أنصحك به، وأقول لك: إن هذه الحالة -إن شاء الله- تعالج، ولا أريد أن أكرر، ولكن التفكير الإيجابي مطلوب، تناول الدواء مطلوب، إدارة الوقت بصورة صحيحة مطلوب.
أما في ما يخص الزوج: فنسأل الله له الهداية، ولا بد أن تحاوريه بشيء من اللطف والمنطق، ونسأل الله تعالى أن يعطيه البصيرة لأن يصحح مساره، وعليك بالدعاء له ولك، وأن يبعد الله الشيطان عنكما.
أما بالنسبة لاستقدام الخادمة: فهذا بالطبع أمر يتطلب الكثير من الدراسة، ويتطلب التشاور أيضا مع زوجك، وأنت لديك شكوك الآن حول زوجك، وترين أن هذه الخادمة وسيلة له لاقتراف الإثم، نحن لا نريد أن نظلمها بالطبع، ولكن إذا كانت هذه الشكوك تسيطر عليك؛ فأنصحك أن لا تستقدميها.
حاولي أن تديري وقتك بصورة صحيحة، ويمكنك مثلا أن تطلبي من زوجك أن يحضر لك شخصا ليساعدك، ليقوم بأعمال النظافة وهكذا... حتى ولو بمعدل ساعتين فقط في اليوم، هذا ربما يكون وسيلة للمساعدة.
أسأل الله لك العافية والشفاء، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.