تنتابني وساوس عند قراءتي لآيات القرآن غير المشكلة، فهل من حل لها؟

0 6

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

من عادتي أنني لا أقرأ الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية أينما وردت، سواء في الفتاوى أو المواضيع المختلفة، إلا إذا كانت حروفها مشكلة؛ خشية أن أخطئ في قراءتها، وذات يوم، كنت أقرأ فتوى تخص زوجتي على أحد المواقع في الشبكة العنكبوتية، تتعلق بمسألة: هل لمس المرأة ينقض الوضوء أم لا؟ وقد ورد في الفتوى قولهم: وأما قوله سبحانه في سورة النساء والمائدة: {أو لامستم النساء} [النساء:43]، فالمراد به الجماع في أصح قولي العلماء. وقد قرأت الآية رغم أنها غير مشكلة، وذلك لأنها مرت علي من قبل عدة مرات، وظننت أنني أعرف كيفية قراءتها.

لكن عندما قرأتها، نطقتها: {أو لامستم النساء}، ثم توقفت محتارا: هل الميم الأخيرة في لامستم مضمومة كما قرأتها، أم ساكنة كما كنت أظن؟ ثم عدت وقرأتها بالضم، رغم أن في داخلي شعورا يدعوني للتوقف عن قراءتها؛ لأنني لست متأكدا من الضبط الصحيح، وذلك من باب تعظيمي للقرآن وخوفي من الوقوع في الخطأ.

وبعد أن قرأت الآية للمرة الثانية، انتابني شعور بالقلق، وراودني وسواس أن ما فعلته قد يعد استهانة بالقرآن، أو تحريفا وتلاعبا بآياته -والعياذ بالله من ذلك كله-، حتى إنني شعرت أنني ربما قد كفرت، ويجب علي تجديد إسلامي.

فهل ما حدث يعد كفرا؟ وهل يجب علي أن أجدد إسلامي بناء على ما حصل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فلا شك أن الإخوة المشايخ في قسم الفتوى قد أفادوك في هذا الموضوع، فأرجو أن تبني قناعات قوية حول ما ذكروه لك وتأخذ به، ومن جانبي أقول لك -أيها الفاضل الكريم-: إنه من الجميل أن يعتني المسلم بأمر كتاب الله، وأن يكون دقيقا في القراءة، ومجودا للقرآن الكريم، ولكن في بعض الأحيان هذا الحرص الشديد ربما يأخذ منحى ليس صحيحا، ويتحول إلى ما نسميه بالوساوس القهرية.

وأنا حقيقة أقدر وأحترم مشاعرك جدا، وأكرر وأقول لك -بارك الله فيك- على هذا الاهتمام، ولكن الذي وقعت فيه هو الوساوس القهرية، فالوساوس القهرية لها عدة تعريفات وأنواع: قد تكون نوعا من الأفكار، أو الأفعال، أو الطقوس، أو التكرار، أو العد العقلي، أو الصور الذهنية، أو المخاوف، أو نوعا من التدقيق المفرط الذي يكرره الإنسان ويقوم به، ويشعر أن هذا الأمر متسلط عليه، ويجد صعوبة في التخلص منه، وحين يحاول مقاومته يزداد لديه القلق، وقد وصل الأمر بك إلى أن تتهم نفسك -والعياذ بالله- بالكفر، وأنك لا بد أن تجدد إسلامك.

أخي الكريم: هذه وساوس قهرية، والوساوس القهرية هي نوع من القلق النفسي الشديد، ربما تكون له عدة أسباب، وفي بعض الأحيان لا نعرف له سببا، لذا نقول بصفة عامة: على الإنسان أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، والمبدأ الأساسي لعلاج الوساوس هو التجاهل التام.

أنت مطالب بتجاهل هذه الفكرة، وقل لنفسك: هذه فكرة وسواسية خبيثة، لن أعيرها أي اهتمام..؛ هذا مبدأ أساسي في علاج الوساوس القهرية، وهناك تمارين بسيطة ننصح بها، وقد وجدت أنها مفيدة، منها: أن تربط هذه الأفكار الوسواسية خاصة الفكرة التي ذكرتها حول الكفر، اربطها بمثير أو فعل مخالف، فمثلا أن تربطها بالألم، ويمكن أن تطبق هذا التمرين بأن تفكر في هذه الأفكار الوسواسية، وفي نفس الوقت تقوم بالضرب على يدك بشدة شديدة حتى تحس بالألم، فالربط والتزاوج ما بين الألم وما بين الوسواس يضعف الوسواس كثيرا، والتمرين يتطلب الجدية، التركيز، والقناعة بفائدته، وأن تكرره حوالي عشر مرات متتالية يوميا.

أيضا هنالك تمارين لإيقاف هذه الأفكار: تأمل في هذه الفكرة وكررها ثم بعد ذلك قل: (قف قف قف)، كأنك تخاطب هذه الفكرة، هذا وجد أنه يجعل الإنسان يتأمل ويستبصر بصورة أفضل؛ مما يضعف لديه الأفكار الوسواسية.

الشق الآخر في العلاج، وأعتقد أنه ضروري ومهم: هو العلاج الدوائي، وقد تستغرب وتقول ما علاقة ما ذكرته لنا بالعلاج الدوائي؟ نقول: هناك نظرية، ونحن نعتقد أنها نظرية معتبرة ومحترمة؛ لأن الشواهد والأدلة العلمية والبراهين التي تؤيدها قوية، هذه النظرية تقول: إن صاحب الوسواس القهري يحدث لديه بعض الاضطراب البسيط في كيمياء الدماغ، هناك مواد معينة تسمى بالمرسلات أو الموصلات العصبية، توجد في أماكن معينة في الدماغ بين الفجوات العصبية، عند بعض الناس يحدث ضعف في إفراز هذه المواد، أو عدم انتظام في إفرازها، أو افتقاد التوازن فيما بينها البين، ومن أهم هذه المواد: مادة تعرف السيروتونين، ولا يمكن قياس هذا الاضطراب أو الخلل الذي يحدث لهذه المواد في أثناء الحياة.

هناك مؤشرات فحصية غير مباشرة، ولكن الفحص المباشر يحدث بعد الوفاة، أخذت عينات من مناطق معينة من المخ، للأشخاص الذين كانوا يعانون من هذه الحالات، ووجد أن هناك عدم انتظام أو ضعفا في إفراز هذه المواد، ومن ثم قيد الله تعالى للعلماء بأن اكتشفوا أدوية فعالة وطيبة جدا، تؤدي إلى عملية التنظيم الكيميائي لهذه المواد، ومن ثم تؤدي -إن شاء الله- لعلاج واختفاء هذه الوساوس وهذا القلق، أو على الأقل المساهمة في علاجها.

فإذن هذه الأدوية نعمة عظيمة من عند الله، ويجب أن نأخذ بها، والحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها، وبناء على هذا المنظور أنا أقول لك: ابدأ في تناول الدواء الذي يعرف علميا باسم (فلوكستين Fluoxetine)، ويسمى تجاريا باسم (بروزاك Prozac)، فهو مضاد للقلق والوساوس ومحسن للمزاج.

ابدأ في تناوله بجرعة كبسولة واحدة في اليوم –أي 20 مليجراما–، يفضل تناوله بعد الأكل، استمر عليه لمدة شهر، ثم بعد ذلك ارفع الجرعة إلى كبسولتين في اليوم، وهذه هي الجرعة المطلوبة في علاج الوساوس، استمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم خفض الجرعة إلى كبسولة واحدة لمدة ستة أشهر أخرى، ثم بعد ذلك يمكنك أن تتوقف عن تناول الدواء، وهذا الدواء يتميز بأنه دواء سليم وفعال وغير إدماني وغير تعودي، -وإن شاء الله- سوف تجد فيه فائدة كبيرة،

نسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد، ونشكرك على ثقتك في إسلام ويب.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات