السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أريد جوابا؛ لأني في حيرة من أمري.
أنا مهندس معماري، أعمل في غير بلدي، عمري 25 سنة، حياتي الماضية كانت جميلة -والحمد لله-، ولكن منذ أن دخلت الكلية وأنا أخاف أن أنام وحدي؛ لأني كنت عندما أنام وحدي أحس أن جسمي قد شل، وأكون في حالة صراخ، ولكن صوتي لا يظهر، ولم يكن يحدث ذلك كثيرا، ولكن بعد ذلك كبر هذا الموضوع عندي، وأصبحت لا أنام إلا عندما يكون أحد معي في الشقة.
الموضوع تطور لدرجة أني كنت أخاف جدا لو كان الشخص الذي معي قد نام قبلي، ولكن منذ شهرين حدثت لي حادثة غريبة؛ فقد دخلت لأنام، وكان الشخص الذي معي قد نام فعلا، وكنت أتحدث مع صديق ثالث بحكايات مخيفة، وعند النوم جاءتني حالة خوف غريبة، وشعرت بتنميل غريب في رأسي، وبدأ جسمي ينتفض، وخرجت بسرعة من الغرفة، وذهبت لمائة دكتور بعدها، وكلهم أجمعوا بأني لا أشكو من تعب عضوي، ولا يوجد هنا أطباء نفسيون، فتوجهت لربي، وبدأت أرتاح -والحمد لله-.
لكن الموضوع لا زال كبيرا؛ فلو جلست وحدي شعرت بالخوف، ومن ساعتها لم أعد أنام في الغرفة، وإنما في الصالة، ويجب أن ينام أحد معي، ولم أعد آكل، ورأسي دائم التنميل، وبطني تؤلمني، ولكن عندما أكون مع أصحابي أكون مرتاحا قليلا.
التفكير في هذا الموضوع يلازمني، وسيطر علي، وكلما حاولت مقاومة هذا التفكير فإني أفشل كل مرة، أتمنى أن أرجع لحالتي الطبيعية.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
من الواضح أنك قد تعرضت إلى نوبة كوابيس، أو ما يسمى بالجاثوم، وهذا نتج عنه اليقظة في وضع سبب لك المخاوف، ومن ثم أصبح هذا الخوف نوعا من التجربة المكتسبة، أو ما نسميه بالخبرة السلبية المكتسبة، ونتج عنه هذا الخوف الشديد من النوم وحدك، وبعد ذلك أصبح الأمر أمرا وسواسيا، بمعنى أن فكرة الخوف من هذا الوضع أصبحت تنتابك، وتسيطر على خيالك.
هذا النوع من المخاوف نسميه بالمخاوف الوسواسية البسيطة، أي أن الأمر يكون ناتجا من تجربة، أو خبرة، أو حدث سابق للإنسان، وبما أن الخوف هو نوع من القلق الشديد الذي يتسم بشعور داخلي مخيف، وكذلك تغيرات فسيولوجية، مثل: تسارع ضربات القلب، والشعور بشد العضلات، وبرودة الأطراف، وهذا كله ينتج عن حالة الخوف والقلق المستقبلي، أي أنك لا تريد أبدا أن تقع فيما حدث لك مسبقا، وبعد ذلك نتج عندك ما نسميه بسلوك التجنب، أو الابتعاد، أي أصبحت تبتعد وتتجنب النوم وحدك في الغرفة، إذا هذا خوف وسواسي -كما ذكرت لك- وهذه -إن شاء الله- حالة بسيطة جدا.
العلاج يتمثل في جلوسك مع نفسك، وتقييم هذا الموضوع من أوله، وسوف تصل لقناعة تامة أن هذا الموضوع بسيط، ولا يستحق كل هذا الاهتمام، وكل هذا الانشغال، ويجب أن تحقر فكرة الخوف من النوم وحدك في الغرفة، وتقول لنفسك: (حتى الأطفال الصغار ينامون بمفردهم، فما الذي يمنعني أن أنام وحدي؟)، ولا شك أن الإنسان أصلا في حرز، وحفظ من الله، ورعايته؛ فوجود شخص بجانبك يعطيك فقط الطمأنينة الظاهرية، ولكن الطمأنينة الحقيقة تأتي من معرفة الإنسان أنه في كنف الله، وهذا نوع من التفكير الإيجابي مهم جدا.
ثانيا: أنصحك بأن تبدأ في النوم داخل الغرفة، حتى وإن كان ذلك في بدايات الليل، ولا تطفئ الإضاءة، أو اجعل الإضاءة خافتة، حتى وإن استيقظت بعد فترة ثم نمت في الصالة لا بأس في ذلك، وهذا نسميه بالتحصين التدريجي؛ أي أنك تعرض نفسك لمصدر خوفك بصورة تدريجية، وهكذا سوف تجد نفسك أنه قد حدث لديك نوع من التطبع والقبول للنوم وحدك، وأصبحت فكرة الوساوس وفكرة المخاوف محقرة لديك.
ثالثا: العلاج الدوائي، وهو علاج ضروري، وسوف يفيدك كثيرا، وفي مثل هذه الحالات تستجيب بصورة جيدة وممتازة للأدوية المضادة للقلق، والمخاوف، والوساوس، وهي بفضل الله تعالى كثيرة، ومتوفرة، وممتازة جدا.
هنالك دواء يعرف تجاريا باسم (زولفت Zoloft)، ويسمى تجاريا أيضا باسم (لسترال Lustral)، ويسمى علميا باسم (سيرترالين Sertraline)، وهو متوفر بكثرة جدا في المملكة، ولا يحتاج لوصفة طبية، ويمكنك أن تبدأ في تناول هذا الدواء بجرعة نصف حبة -أي خمسة وعشرين مليجراما من الحبة التي تحتوي على خمسين مليجراما، حاول أن تقسمها إلى قسمين–، تناول نصف واحدة يوميا، ويفضل تناولها مساء بعد الأكل، استمر على هذه الجرعة لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ارفع الجرعة إلى حبة كاملة، تناولها ليلا أيضا بعد الأكل، واستمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم خفض الجرعة إلى نصف حبة ليلا لمدة شهرين، ثم توقف عن تناول الدواء، هو من الأدوية الممتازة، والفعالة، وغير الإدمانية، وغير التعودية، وسوف تجد منه -إن شاء الله- نفعا كبيرا.
هذا هو الذي أود أن أقوله لك، وبصفة عامة يجب أن تكون إيجابيا في تفكيرك؛ فأنت شخص تعيش في أمان الله، ولديك وظيفة، وأنت في بدايات الشباب، وأمامك الكثير الذي تود أن تقوم به، فكن إيجابيا في تفكيرك، وأرجو أن تبني علاقات ومهارات اجتماعية مختلفة، وأن تتواصل مع الآخرين، وأن تحرص على الصلاة في جماعة، وفي الصف الأول، ووسع من شبكتك الاجتماعية، ومهاراتك، وحاول أن تطور نفسك مهنيا، ولا تشغل نفسك أبدا بهذه الأعراض؛ فهي بسيطة، وعليك بممارسة الرياضة، وخاصة الرياضة الجماعية؛ وهذا كله يجعل صحتك النفسية، وحتى الجسدية تتجه اتجاها إيجابيا.
وختاما نشكر لك التواصل مع إسلام ويب، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.