السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولا: أشكركم كثيرا على ما تقدمونه من جهد تجاه عامة المسلمين، وجعله الله في ميزان حسناتكم.
مشكلتي هي عدم استطاعتي التعبير في الكلام، والتلعثم عند كلامي المكون مثلا من خمس جمل متواصلة، باختصار: عندما أريد الكلام مع زوجي أو مع أحد، يجب أن أفكر قليلا فيما سأقول، وأجمع الكلمات في عقلي، وعندما يحين وقت الكلام، أتكلم، وإذا شعرت بالتلعثم تضيع مني الكلمات، وعندئذ أجد مخيلتي فارغة من التعبير تماما.
مثلا: إذا جاء وقت السفر برا إلى موطن أهلي، يجلسون ويحذرونني: انتبهي، اجلسي، كلمي زوجك حتى لا ينام في الطريق، وأجلس ذلك اليوم أفكر فيما سأقول وأكلمه، وينتهي كلامي وأراه ينعس، وأكره نفسي وأبكي وأدعو الله: يا الله، ماذا أقول؟
ستستغربون عندما ترونني أكتب لكم هذا الكلام، فبينما أتكلم مع نفسي بدون تحريك فمي، أسرد الكلمات سردا، وهذا غريب.
مشكلة أخرى تواجهني: عندما أضحك وأنا أتكلم مع زوجي أو مع غيره، حيث ترتجف شفتاي وأشعر ببرودة في داخلي، وأشعر بالخجل، وأحيانا أكلم زوجي دون تفكير وأخطئ وأجرحه، ثم أراجع نفسي وأعتذر له، وعندئذ أشعر باليأس وأقول في نفسي: اتبعي حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما قال: "من صمت نجا" لهذا السبب كله لا أستطيع أن أكسب قلب زوجي وقلوب الناس بالكلام الطيب، وهل أستطيع أن أكسبهم من ناحية الإيمان بالله تعالى، واتباع سنة نبيه فقط؟
لا تقولوا لي: إن هذا الكلام وراثة، كلا؛ لأن أبي وأمي وإخوتي وأهلي كلهم فصحاء، حتى أختي الصغيرة تتكلم أفضل مني، أرجو منكم أن تجدوا لي حلا سريعا، فحالتي النفسية ستتحطم، وأخاف على أبنائي أن يخرجوا مثلي؛ مما يزيد من سوء حالتي، وهل قراءة القرآن والاستغفار وقراءة الكتب، تنفع لحالتي إذا داومت عليها؟
أحيطكم علما بأني لم أواصل الدراسة، فبعد إكمالي الإعدادية تزوجت من ابن عمي، ومعي الآن ولد عمره سنتان ونصف، ولم أحمل بعده، فهل تنصحونني بمواصلة دراستي والتسجيل في القسم الأدبي؟
آسفة على الإطالة عليكم، لأني لا أجد ملجأ ألجأ إليه غيركم، بعد الله سبحانه وتعالى، ولا تنسونا من صالح دعائكم، وشكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأنا لا أعتقد أن لديك مشكلة أساسية، فقد اطلعت على رسالتك بكل دقة وتفصيل، وأقول لك: لديك قلق نفسي بسيط، هذا القلق في بعض الأحيان يأخذ صورة ما نسميه بالرهاب الاجتماعي البسيط، أو ما يسمى بقلق الأداء، أي أنك حين تريدين الكلام والحوار، تجدين أن الكلمات قد ذهبت، وأن الأفكار قد تطايرت، ووجود التلعثم قد ظهر، وتصابين بخيمة أمل كبيرة.
كل الذين يعانون من القلق من هذا النوع، لديهم مشكلة في تقدير ذواتهم، بمعنى أنهم لا يعطون أنفسهم حقها، وتجدين أن ثقتهم مهزوزة في أنفسهم، وهذا التفكير السلبي لا شك أنه يعود بالمزيد من القلق، والمزيد من التوتر.
أولا: أريدك أن تتذكري هذا الإنجاز العظيم في حياتك، وهو أنك في هذا العمر (17) سنة قد تزوجت من ابن عمك، وقد رزقك الله تعالى ابنا صالحا، فأنت أصبحت صاحبة بيت وزوج، ولا شك أنك كفء للقيام بهذه المهمة، ولا بد أن تبني صورة إيجابية عن نفسك.
ثانيا: تذكري أن الناس يختلفون في مستوى تواصلهم مع الآخرين، فهنالك من هو منفتح جدا، ولا يهاب هذا التواصل، وهنالك من يتخذ الحيطة والحذر، وهنالك شخص آخر قد يكون انطوائيا، وأنا لا أعتقد أنك انطوائية أبدا، أعتقد أنك مجرد إنسانة فاضلة وطيبة وقلقة، وليس أكثر من ذلك.
الإكثار من الاطلاعات يفيد الإنسان، وأنت ذكرت أمرا طيبا، وهو قراءة القرآن والاستغفار وقراءة الكتب، نعم لا شك أن هذه سوف تزيد من رصيدك المعرفي، وتجعلك أكثر قدرة على التواصل، وأكثر فصاحة.
ثالثا: أنصحك بأن تقومي بتدريبات وتمارين يومية، من أجل تحسين التواصل، هذه التمارين تكون في الخيال، تصوري أنك جالسة مع مجموعة من الصديقات أو الأخوات، أو حتى مع زوجك، وقومي بالتطرق لثلاثة مواضيع مختلفة، موضوع في شأن البيت مع زوجك، موضوع حول الأحداث اليومية التي يمكنك الحصول عليها من الصحف مثلا، وموضوع في الدين، حديث قرأته تريدين أن تناقشيه مع من يستمع إليك، الحديث في أي أمر من أمور، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الحديث في أمور القيم الإسلامية العظيمة، وهكذا.
إذن هذه ثلاثة مواضيع مختلفة، أنت قمت بتحضيرها مسبقا، وهذا -إن شاء الله- يعطيك الثقة في الأداء، وأنا أريدك أن تتخيلي وبتركيز وعمق أنك تخاطبين شخصا آخر، والبعض أنصحهم بأن يقوموا بتسجيل هذه المحاضرة الوهمية -إذا جاز التعبير-، ومن ثم تقومين بالاستماع لما قمت بتسجيله، هذا نوع من لعب الأدوار الجيدة، ذي القيمة الممتازة جدا، إذا الهدف هو أن تكون هناك دائما موضوعات متعددة في خيالك، لتطرحيها على الآخرين، وتبدئي هذا النقاش وهذه الحوارات.
أنصحك بأن تعيدي تسجيل نفسك للدراسة، ولا شك أن الدراسة الأدبية دراسة جيدة وممتازة، وسوف توسع من آفاقك، وسوف يكون أمرا جميلا أن تكملي تعليمك، وبالطبع من خلال التفاعل مع زميلاتك في الجامعة، سوف تجدين أن مستوى الحوار لديك قد تحسن جدا، وإذا وجدت فرصة للانضمام إلى أحد مراكز التحفيظ، وحضور المحاضرات والدروس المختلفة، فهذا جيد، وأنا أعتقد أن زوجك سوف يشجعك على ذلك، لا شك أن هذا سوف يرفع جدا من مقدرتك على الحوار.
أعتقد أن هنالك جانبا من المخاوف والقلق هو الذي أثر عليك، وهذا يمكن أن يتم علاجه بواسطة أدوية بسيطة جدا، هذه الأدوية متوفرة -الحمد لله-، ولا تتطلب وصفة طبية، منها دواء جيد يعرف تجاريا باسم (زولفت ZOLOFT)، ويسمى تجاريا باسم (لسترال LUSTRAL)، ويسمى علميا باسم (سيرترالين SERTRALINE) يمكنك الحصول عليه، وابدئي في تناوله بجرعة نصف حبة، أي خمسة وعشرين مليجراما، يفضل تناولها ليلا، استمري عليها لمدة شهر، بعد ذلك ارفعي الجرعة إلى حبة واحدة ليلا لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضيها إلى نصف حبة ليلا لمدة شهرين، ثم توقفي عن تناول الدواء.
هذا الدواء جيد وفعال وممتاز، ومزيل للقلق والخوف الاجتماعي، ويحسن من الدافعية، ويمكنك أن تطرحي هذا الموضوع على زوجك، وأنا أعتقد أنه لن يمانع، خاصة وأن الدواء سليم جدا، وغير إدماني، ولا يؤثر أبدا على الهرمونات النسوية.
أيتها الفاضلة الكريمة: حين تجلسين وتتابعين أمرا معينا في التلفزيون، كبرنامج إخباري، أو برنامج حواري، أو أي من البرامج المفيدة، برنامج ديني، حاولي أن تكرري مع نفسك نفس الكلمات التي يقولها مقدم البرنامج، هذا يرفع من رصيدك اللغوي، وفي نفس الوقت يعطيك الأخذ من نموذج مقتدر، وهذا قد وجد أيضا أنه يساعد الإنسان كثيرا.
عليك أن تثقي في نفسك، فلديك مقدرات، ولكن القلق هو الذي جعلك تشعرين باهتزاز ثقتك في نفسك، وفي مقدرتك على التحاور، وتذكري أن مهاراتك -إن شاء الله- سوف تتطور، وسوف تزداد بمرور الأيام، فأنت لازلت صغيرة في السن.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وأشكر لك تواصلك هذا مع إسلام ويب.