الشخصية الكتومة، ومحاولة التوازن

0 3

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أرجو منكم التكرم بالإجابة على استشارتي، فقد كثرت الاتهامات من حولي ضدي بأني غامض للغاية، بل ويصفني البعض بـ"الكهف المظلم"، وآخرها ما حدث اليوم، إذ قال لي أحد معارفي: إنني أخفي الكثير والكثير، وكان يقصد ذلك بسخرية وسوء نية، بل صرح بأن في شخصيتي شيئا من الخبث، أو ما يشابهه.

الحقيقة أن هذه السمة لازمتني منذ الصغر، فأنا بطبعي كتوم إلى أقصى حد، لا أحب أن يعرف أحد بماذا أفكر أو ماذا أنوي فعله، حتى أقرب الناس إلي من والدي.

أجد صعوبة في إبلاغهم عن وجهتي إذا خرجت من المنزل، وكثيرا ما أمرض ولا أعلم أحدا بحالتي، ومن الأمثلة الأخرى أنني إذا جلست على الإنترنت، لا أطيق أن يشاركني أحد الجلوس أو يطلع على ما أتصفحه أو مع من أتحدث، حتى وإن كان الحديث عاديا.

لا أفشي أسراري لأحد، فخصوصيتي بالنسبة لي "منطقة محظورة"، ولا أرى لأحد حقا في أن يسألني عنها، إلا أن كنت أنا من قرر البوح. وبالمثل، لا أحب التدخل في خصوصيات الآخرين، ولا أوجه لهم أسئلة عن شؤونهم الخاصة، ولهذا أشعر بالضيق الشديد إذا سألني أحد عن أمر لا أرغب في مشاركته.

سؤالي هنا: هل هذا يعد خبثا فعلا كما يقال لي؟ لأنني شخصيا لا أرى في ذلك أمرا غير طبيعي، فأنا فقط أحب أن أحتفظ بحياتي الخاصة لنفسي، ولا أجد ضرورة لإطلاع الآخرين عليها.

أما المشكلة الأخرى، فهي أنني أغار بشدة من الأشخاص الناجحين في أي مجال، وأشعر أنني أقل منهم، حتى وإن كانوا أصغر مني سنا، ومع ذلك لا أظهر هذه المشاعر أبدا، فأنا في الظاهر أبدو للناس واثقا من نفسي، وأني ذو صفات طيبة، بينما لا أرى في نفسي شيئا من ذلك.

هذا التناقض بين ظاهري وباطني يرهقني كثيرا، ويجعلني أسهر الليالي أفكر في نفسي: لماذا أنا هكذا؟ ولماذا لا أستطيع أن أتغير؟

أفيدوني -جزاكم الله خيرا- وأرشدوني لما فيه صلاح أمري.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إن الناس لا يعجبهم العجب، ورضاهم أمر صعب، والمؤمن يهمه رضا الرب، ومرحبا بك في موقعك، ونسأل الله أن يرفعك أعالي الرتب، وأن يجعلنا وإياك من أصحاب الأخلاق وحسن الأدب.

نحن قد نقبل بالغموض، وتفضيل الكتمان في بعض الأحوال، ولكن الأمر قد يحتاج لمراجعة في حق الوالد، خاصة إذا كان هذا الغموض مصدر إزعاج وضيق لهم، وقد تتأذى زوجتك مستقبلا من ذلك.

أما بالنسبة لبقية الناس فالأمر هين، ولا يضر طالما كانت الأمور المكتومة لا تضر أحدا، ومن حق الإنسان أن يكتم أموره الخاصة وأسراره، والإنسان يملك سره فإذا أذاعه أصبح ملكا لغيره، والإنسان لا يندم على السكوت، ولكنه كثيرا ما يندم على الكلام.

ليس مجرد كتمان الأسرار والبرنامج الخاص من الخبث، ولكن الناس يؤلمهم لما فيهم من الفضول، وليتنا جميعا فهمنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حسن إسلام المرء تكره ما لا يعنيه)، ولا شك أن التوسط مطلوب في كل الأمور.

أما مجرد الغيرة من الآخرين، فلا تضر إذا لم يصاحبها تمن لزوال النعم التي عندهم، والمنافسة والغبطة مطلوبة؛ لأنها سبب للنجاح، والغبطة هي تمني مثل النعمة، والسعيد هو الذي ينظر في النعم التي وهبها الله له، ليؤدي شكرها، فينال بشكره المزيد، وإذا وجد نعم الله تنزل على إخوانه، فرح لهم، وشكر الله نيابة عن المقصرين منهم، وتوجه إلى الوهاب يسأله من فضله.

هذه وصيتي لك بتقوى الله ثم بكثرة اللجوء إليه، ورحم الله من قال خيرا فغنم، أو سكت عن شر فسلم، نسأل الله لنا ولك ولهم الهداية والتوفيق.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات