السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أعاني من ألم شديد في اليد والكتف الأيسر من جسدي، يصاحبه ضيق في التنفس، وأحيانا وخزات في الصدر من الجهة اليسرى، بالإضافة إلى ارتجاف في اليدين أحيانا، وشعور بالدوار، لكنه غير متكرر.
ذهبت إلى طبيب قلب، وأجرى لي تخطيطا للقلب، وكانت النتيجة سليمة – ولله الحمد – كما زرت طبيبا مختصا بأمراض الصدر والتنفس، وأخبرني بأن الرئتين سليمتان، والحمد لله.
وقد راجعت هؤلاء الأطباء قبل نحو سنة، غير أن الأعراض ما تزال مستمرة، بل تطورت، فأصبحت أشعر أحيانا بوخز قوي جدا في جهة القلب، يتبعه شعور بأن الجهة اليسرى من جسدي – وخاصة اليد والقدم، وحتى الجانب الأيسر من الرأس – قد أصيبت بشلل وألم شديد، ويصاحب ذلك شعور قوي باقتراب الأجل، وكأن الموت قد حل.
فما تشخيص حالتي؟ وإلى أي طبيب علي التوجه؟ وهل تعتبر زيارتي للأطباء قبل سنة غير كافية؟ وهل أحتاج إلى مراجعة جديدة؟
هل يمكن أن أكون قد أصبت باعتلال في القلب خلال هذه السنة، رغم سلامة الفحوصات السابقة؟
كما أود أن أوضح أنني أعاني دائما من آلام في الكتفين والرقبة، وأقوم بعمل مساج لهما بنفسي. ومن باب العلم، فإنني أعاني من القلق، وأعاني كذلك من رهاب الموت.
فهل يمكن أن يكون القلق وراء هذه الأعراض الشديدة؟ علما بأنني أجريت تحاليل للروماتيزم منذ سنة، وكانت سليمة.
فما هو تشخيصكم لحالتي؟
شكرا جزيلا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ... حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
واضح من سؤالك وجود القلق، وخاصة الخوف من المرض، والخوف من اعتلال القلب. فلو كان هناك اعتلال في القلب، لاكتشفه طبيب القلب عندما فحصك قبل سنة وأجرى تخطيط القلب. ولم تذكري إن كان قد أجرى صورة بالإيكو في ذلك الوقت، إلا أنه لا بد أنه فحص القلب بالسماعة ليتأكد من عدم وجود ترهل أو ارتخاء في الصمام التاجي (ترهل الصمام المترالي)، وهو ما قد يسبب ألما في الصدر مع انتشار الألم إلى الكتف، وخفقانا، وأحيانا ضيقا في النفس. إلا أن طبيب القلب لا يغيب عنه هذا المرض، وعند سماع القلب فإن هناك أصواتا مميزة يسمعها الطبيب تشير إلى إمكانية وجوده، فيقوم بعد ذلك بعمل الإيكو للقلب، والذي يظهر بوضوح إن كان هناك ترهل في الصمام التاجي أو أي اعتلال قلبي.
أما آلام الرقبة، فقد تسبب آلاما في الكتف، لكنها لا تسبب ألما في الصدر أو ضيقا في التنفس. وكما ترين، فإن الأعراض لديك موجودة منذ سنة، ولم تظهر أي علامات تشير إلى أن السبب عضوي، فلو كان عضويا لتفاقمت الأعراض وظهرت أعراض أخرى.
ينبغي أن تراقبي الأعراض: فإن كانت تزداد في مواقف يتضح فيها القلق أو التوتر أو الخوف، وكانت غير موجودة أثناء النوم أو في الحالات النفسية الجيدة، فهذا يشير إلى أن الأعراض مما يعرف بالأعراض النفسوجسدية (Psychosomatic)، أي الأعراض الجسدية التي يكون مصدرها نفسيا.
وبالله التوفيق.
-------
انتهت إجابة الدكتور محمد حمودة –أخصائي الأمراض الباطنية–،
وتليها إجابة الدكتور محمد عبد العليم –مستشار الطب النفسي والإدمان–:
-------
إن حالتك هي حالة نفسية بحتة، وتسمى بالعلل النفسوجسدية، ويقصد بذلك أن القلق النفسي – سواء الناتج عن أسباب أو حتى دون أسباب واضحة – قد يؤدي إلى أعراض جسدية كثيرة. فالقلق في الأصل توتر نفسي، ويتحول إلى توتر عضلي، وأكثر العضلات تأثرا بهذا التوتر هي عضلات القولون، وفروة الرأس، والصدر، وأسفل الظهر. لذا نجد البعض يشتكون من "القولون العصبي"، أو "الصداع العصبي"، وبعضهم – كما في حالتك – تكون الأعراض لديهم متركزة في الصدر أو في الجهة اليسرى من الجسم، خاصة اليد أو الكتف أو الرقبة.
ويرجع سبب شيوع هذه الشكوى في الجهة اليسرى إلى أن أمراض القلب قد تسبب أعراضا مشابهة، فارتبط في أذهان الناس أن أي ألم في هذه المنطقة يدل على وجود مرض قلبي خطير، وربما الموت المفاجئ، مما يرفع منسوب الخوف، ويؤدي إلى المراء المرضي، أي توهم الإصابة بالمرض، حتى وإن كان الأمر على مستوى العقل الباطن.
لذا نجد كثيرا ممن يعانون من هذه الحالات يتنقلون بين أطباء القلب والصدر بحثا عن تفسير عضوي لأعراضهم.
بالطبع، لا نلومك على هذا التنقل؛ لأن الأعراض مزعجة، وتدفع الإنسان للبحث عن حلول. لكنني أؤكد لك أن الحل في هذه الحالة نفسي 100%.
وبكل دقة علمية، أقول لك: لو أنك عرضت أعراضك هذه على طبيب نفسي مقتدر منذ البداية، لكان شخص حالتك بأنها نفسوجسدية، ولم تكن هناك حاجة لإجراء كل تلك الفحوصات من تخطيط قلب وإيكو وغيره.
لكن في المقابل، إجراء هذه الفحوصات والتأكد من سلامتها – ولله الحمد – يمنحك قدرا من الطمأنينة.
وعليه، أنصحك بالآتي:
أولا: حالتك هي حالة نفسوجسدية، وتعانين مما يعرف بقلق المخاوف، كما أشرت بنفسك في ختام رسالتك إلى أنك مصابة بالقلق ورهاب الموت. هذه الحالة وإن كانت مزعجة، إلا أنها غير خطيرة.
ثانيا: أرجو عدم التنقل بين الأطباء، والاكتفاء بزيارة طبيب الأسرة مرة كل ستة أشهر لإجراء فحص عام.
ثالثا: مارسي أي نوع من الرياضة التي تناسب المرأة المسلمة، فالرياضة تساعد كثيرا في امتصاص القلق والتوتر، وتحدث استرخاء عضليا عاما.
رابعا: قومي بممارسة تمارين الاسترخاء، خاصة طريقة "جاكبسون"، التي تعتمد على التنفس العميق واسترخاء العضلات تدريجيا بعد شدها. يمكنك تعلم هذه التمارين من خلال كتيب، أو مقطع صوتي، أو عبر جلسات تدريب مع أخصائية نفسية إن أمكن.
خامسا: حاولي بناء صورة إيجابية عن نفسك، واستثمري وقتك بشكل نافع، ولا تتركي مجالا للأعراض لتسيطر على حياتك.
سادسا: أنصحك بتناول علاج دوائي بسيط، آمن، وغير إدماني:
الدواء الأول: "سبرالكس" (Cipralex)، واسمه العلمي "إستالوبرام" (Escitalopram).
ابدئي بنصف حبة (5 ملغ) يوميا مساء بعد الأكل، لمدة عشرة أيام، ثم اجعليها حبة كاملة (10 ملغ) يوميا لمدة ستة أشهر.
بعد ذلك، خفضي الجرعة إلى نصف حبة يوميا لمدة شهر، ثم نصف حبة يوما بعد يوم لمدة أسبوعين، ثم توقفي عن تناوله.
الدواء الثاني (المساند): "فلوناكسول" (Flunaxol)، واسمه العلمي "فلوبنتيكسول" (Flupenthixol).
الجرعة: نصف ملغ (حبة واحدة) صباحا لمدة ثلاثة أشهر.
هذان الدواءان آمنان، ولا يسببان الإدمان، ولا يؤثران على الهرمونات النسائية.
نسأل الله لك الشفاء والعافية، ونشكر لك تواصلك مع موقع إسلام ويب.
وبالله التوفيق.