السؤال
السلام عليكم.
زوجة عمي تعاني من مرض ثنائي القطبية منذ سنتين، وتمت معالجتها في مستشفى للأمراض العقلية، وتحسنت حالتها -والحمد لله- ولكن منذ شهرين بدأت أعراض المرض تبدو عليها بشكل خفيف، مما جعلنا نقع في حيرة؛ فهي منذ شهر تزورنا كل يوم، وهي لا تقوم بذلك عادة، وهي امرأة متدينة جدا، ومنقبة، وكانت ترفض الاختلاط لسنوات، ولا تزور أحدا إلا عند الضرورة، ولكنها الآن مختلفة جدا؛ فهي تزورنا كثيرا، حتى في الليل، وهذا ما فعلته حين كانت مريضة، أي منذ سنتين، ولكن مع أعراض أشد.
الآن لا تفعل أشياء غريبة، ولكنها تتقرب من أبي كثيرا، وتكلمه كثيرا، وتطلب الجلوس معه دائما لوحدهما، وحين استشار أبي طبيبها، طلب منه ألا يرفض لها أي طلب حتى لا تتأزم حالتها؛ لذلك هو يحاول قدر المستطاع مساعدتها، فيجلس معها، ويسمعها، مع العلم أنها مواظبة على الصلاة، وكلامها معنا طبيعي جدا، إلا مع أبي؛ فهي متعلقة به كثيرا، وتحبه، ولكن بالتأكيد يحدث ذلك بسبب المرض، فهي امرأة صالحة جدا، ولكن الاكتئاب الذي تعاني منه دفعها للتقرب من أبي؛ لأنها ترتاح له كثيرا، وقد طلب أبي مساعدة أهلها، ولكن لم يفعل أحد شيئا، وعمي -أي زوجها- دائما مشغول.
نحن محتارون ماذا نفعل؟ هي الآن خففت الدواء الذي وصفه الطبيب لها، وبدأنا نشعر أن مسايرة أبي لها لا تغير شيئا، فهل يصدها، أم ندخلها المستشفى؟ مع أن حالتها الظاهرية ليست متأزمة كثيرا كما كانت منذ سنتين، فما هو أفضل حل لمساعدتها؟
أرجو المساعدة، وجزاكم الله كل خير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، وعلى اهتمامك بأمر زوجة عمك، نسأل الله لها العافية والشفاء.
الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية يتسم بوجود القطب الاكتئابي، وفي بعض الناس أيضا يوجد القطب الهوسي، والحالات تتفاوت في حدتها وشدتها، وهذه -السيدة الفاضلة- من الواضح أنها بدأت تفقد الضوابط الاجتماعية التي كانت تلتزم بها، وهذه إحدى علامات المرض، ولا شك في ذلك، وهذا النوع من التصرف دليل على أنها قد دخلت القطب الهوسي، وليس القطب الاكتئابي؛ حيث إن الاكتئاب يؤدي إلى الانعزال، ويؤدي إلى عدم التفاعل الوجداني مع الآخرين، ولكن بتصرفها هذا من الواضح تماما أنها في البدايات، أو أنها قد دخلت في القطب الهوسي، الذي أحد سماته هو ضعف الالتزام بالضوابط الاجتماعية، التي كان يتقيد بها الشخص سابقا.
هذه -السيدة الفاضلة- تحتاج إلى العلاج الدوائي، والاضطراب الوجداني ثنائي القطبية مرض يستجيب للعلاج الدوائي، ويعتبر العلاج الدوائي -وخاصة الأدوية المثبتة للمزاج- الركيزة الأساسية لعلاج هذا المرض؛ لأن هذا المرض أصلا منشؤه بيولوجي، ويقوم على اضطراب في كيمياء الدماغ، وهذا الاضطراب يتعلق بمواد معينة تسمى بالموصلات، أو المرسلات العصبية.
إذا ما دام هناك خلل كيميائي، أو بيولوجي، فهذا لا يصحح إلا عن طريق الدواء، والذي أراه هو أن تعطى هذه -السيدة الفاضلة- الجرعة الكاملة من الدواء، وهذا ضروري جدا.
أنت لم تذكري الأدوية التي كتبها لها الطبيب، ولكن الأمر سهل وبسيط جدا، ويمكن الرجوع إلى الطبيب ليضعها على جرعتها الكاملة، وهذه السيدة من الواضح جدا أنها تحتاج لأن تستمر على الجرعة الوقائية.
الأبحاث السابقة كانت تشير إلى أن الجرعة الوقائية يمكن أن تكون نصف -أو ثلث- الجرعة العلاجية، ولكن الأبحاث الحديثة ناقضت ذلك تماما، واتضح أن الجرعة الوقائية في كثير من الحالات تكون مساوية تماما للجرعة العلاجية، والذي أريد أن أصل إليه، وأحتم عليه هو أن تعطى العلاج، وإذا تعاونت في تناول الدواء، فأنا أعتقد أنها في ظرف أسبوع إلى عشرة أيام سوف تستعيد -إن شاء الله- بصيرتها.
أما إذا رفضت التعاون في تناول الدواء، فهنا يكون إدخالها إلى المستشفى هو الأفضل، وهو الأمثل؛ لأن الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية -وخاصة حينما يكون في مرحلة الهوس– مرض فاضح جدا، وخاصة عند النساء، ولذا أنا شخصيا حريص جدا على أن تعالج مثل هذه الحالات بجدية وانضباط، وبجرعات دوائية كاملة، وإذا تطلب الأمر إدخال المريض إلى المستشفى، فليس في ذلك عيب أبدا.
فأرجو أن لا تترددوا، وأن تعطوها الفرصة العلاجية الكاملة، والاستجابة في هذه الحالات للدواء أصبحت الآن جيدة جدا -بفضل الله تعالى-.
بالنسبة لتقربها من والدك: فلا شك أن هذا الأمر أمر مرضي، وأنا لا أقول إن والدك يجب أن لا يصدها، ولكن أقول: يجب أن لا يتساهل معها؛ فلا أعتقد أن شيئا من الحزم المعقول سوف يؤدي إلى انتكاستها، لأن المرض في الأصل هو مرض بيولوجي، يعتمد على كيمياء الدماغ، وليس له ارتباط كبير بالوضع الاجتماعي، أو البيئي، وسوف يكون من الأفضل أن يضع لها والدك بعض الضوابط، هذا أفضل، وفي نفس الوقت حين تبدأ في رفع الجرعة الدوائية -كما ذكرت لك- سوف تستعيد بصيرتها بصورة كاملة، وتكون -إن شاء الله- أكثر ارتباطا بالواقع، مما يجعلها تلتزم بالضوابط الشرعية والاجتماعية.
وختاما: نشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، وأسأل الله لهذه السيدة العافية والشفاء.