السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله الذي وهبني العقل السليم والعديد من النعم، وأعظمها نعمة الإسلام، كما منحني الله طول القامة، وحسن التعامل من الناس، وهذا ما أحمده عليه كثيرا.
لكنني أعاني من بعض المشكلات في مظهري الخارجي، رغم أنني واثق من نفسي، وأؤمن أنني جميل من الداخل وطيب القلب، ومع ذلك أعلم أن الارتباط الحلال بفتاة يتطلب توفر قدر مقبول من الجمال، إلى جانب الأخلاق والعلم والإمكانات المادية والمعنوية وغيرها.
أواجه صعوبة كبيرة في تقبل شكلي عند النظر في وجه أحد، وأتمنى أن أجري عملية لتعديل اعوجاج الحاجز الأنفي وإزالة الندبة التي تتوسطه، علما أنني أضع الآن تقويما للأسنان، وكل هذا نتيجة لما يتركه شكلي الحالي من أثر نفسي داخلي يؤلمني.
وسؤالي هو: هل يعد سعيي لتحسين مظهري نوعا من قلة شكر نعم الله علي؟ رغم أنني أحمده كثيرا وأشكره على كل نعمة، وأقول ذلك في قلبي عندما أرى الآخرين ممن يتمتعون بمظهر مقبول.
وهل دعائي لله أن ييسر لي تحسين مظهري يعد أمرا مقبولا؟ خاصة وأنا أستند إلى قول النبي ﷺ: "إن الله جميل يحب الجمال".
لا أستطيع أن أتصور مقدار الثقة بالنفس التي سأكتسبها بعد توفيق الله لي في هذا الأمر.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فيما يتعلق بالمظهر ودرجة الجمال، فإن هذا أمر نسبي للغاية، ويقدر بحسب البيئة والتقاليد والمفاهيم الاجتماعية.
هناك من يعانون من اضطرابات نفسية تجعلهم منشغلين بشكل دائم بمظهرهم الخارجي، فيتنقلون بين أطباء التجميل، ويشعرون برفض لذواتهم ونقص دائم، وهذه حالة مرضية تستوجب العلاج لدى أطباء مختصين في الطب النفسي، بالتعاون أحيانا مع طبيب جراحة التجميل.
من جهة أخرى، قد يشعر بعض الأشخاص بعدم الرضا عن مظهرهم أو رغبتهم في أن يكونوا بشكل مختلف، وقد ينتج عن ذلك نوع من القلق، لكنه لا يصل إلى حد السعي لإجراء عمليات تجميل، وللأسف، هناك من الأطباء من يجري هذه العمليات لمجرد إرضاء المريض، وقد تكون الدوافع تجارية بحتة.
هذه المقدمة مهمة لأن كثرة التفكير في المظهر قد تؤدي إلى القلق وإلى تبني أفكار سلبية عن النفس.
وبالنسبة لحالتك -أخي الكريم- فإن الإسلام يحث على الرضا بخلق الله، وهذا أصل ثابت لا جدال فيه، ومع ذلك، إذا كانت هناك تشوهات ظاهرة تؤثر فعلا على الوظيفة أو المظهر بدرجة غير طبيعية؛ فلا مانع من مراجعة طبيب ثقة مختص في جراحة التجميل، على أن يكون القرار نابعا من ضرورة طبية حقيقية، لا من دوافع تجميلية فقط.
وللأسف، هناك كثيرون ممن ندموا بعد خضوعهم لعمليات تجميل لم تحقق لهم الرضا، بل زادت من معاناتهم النفسية، وأنت بحمد الله على قدر عال من الوعي الديني، وتدرك نعم الله عليك من عقل وأخلاق ومعرفة، وهذا أمر عظيم، نسأل الله أن يبارك لك فيه.
وأؤكد لك أن الفتاة الصالحة لا تشترط الجمال في الزوج، وإنما تقبل بالشكل المقبول، فدع عنك التفكير المفرط في مظهرك، ولا ترهق نفسك في محاولة إرضاء الآخرين على هذا الأساس.
أما بالنسبة لتقويم الأسنان، فهو أمر جائز شرعا، وقد أفتى العلماء بجوازه ضمن النطاق الطبي. أما جراحة تصحيح جدار الأنف، فإن كان هناك اعوجاج يؤثر على التنفس مثلا، فلا حرج فيها، بشرط أن يتم التقييم من طبيب موثوق.
فأوصيك أن ترضى بذاتك شكلا ومضمونا، وتمضي في حياتك بتوازن، وأن تسعى لاكتساب العلم، وتقوية علاقتك بالله، والدعاء له بأن يرزقك الزوجة الصالحة، فهذا هو الخير الحقيقي.
وبالله التوفيق.
__________________________________________________
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم، استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
وقد أحلنا الجزء الشرعي من السؤال إلى قسم الفتوى فأجابوا بما يلي:
__________________________________________________
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تغيير الخلقة لأغراض تجميلية بحتة دون وجود داع ضروري يعد من المحرمات، لما ثبت في النصوص من لعن من يغير خلق الله، لكن استثنى العلماء من ذلك الحالات العلاجية، التي تستوجب التدخل الجراحي لعلاج ضرر أو تشوه.
أما الدعاء بأن يغير الله الخلقة، فهو وإن كان داخلا في قدرة الله، إلا أن هذا النوع من الدعاء يعد اعتداء لا يجوز، لأن الله سبحانه وتعالى يجري الأمور وفق سنن كونية ثابتة، فلا يسأل ما يخالفها.
كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فالاعتداء في الدعاء تارة بأن يسأل ما لا يجوز، وتارة يسأل ما لا يفعله الله..."، ومن ذلك الدعاء بتغيير الخلقة دون سبب ضروري.
والخلاصة: أن طلب تحسين المظهر دون حاجة طبية واضحة يعد من تغيير خلق الله بغير وجه حق، وهو أمر محرم، لأن الله خلق الإنسان في أحسن تقويم، وجعل التفاوت في الجمال من حكمته في الخلق، والجمال في نهاية المطاف أمر نسبي، والخلق والدين هما المعيار الحقيقي في القبول والمحبة بين الناس، فلا داعي للقلق أو الشعور بالنقص.
وبالله التوفيق.