رغم قدراتي الكلامية إلا أني أعاني من خجل شديد!

0 3

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أعاني من خجل شديد وعدم القدرة على محادثة الناس والتعامل معهم، رغم قدراتي العالية على الكلام أمام أخواتي وإظهار مهارتي في التحدث، أما عند وجود أبي فلا أستطيع، وأشعر أن بيني وبينه حواجز تمنعني من الكلام، وكذلك في المدرسة، فمنذ فترة لم أشارك في الفصل إلا إذا طلب مني ذلك، على الرغم من تفوقي ووجود صديقات لي، وفي الجامعة مررت بانتكاسة دراسية ثم نجحت.

والملفت للنظر أن مستوى عائلتي متوسط والحمد لله، ولكن كان الكل يعتقد أنني من عائلة ثرية، ولم أوضح لهم ذلك وسايرتهم، وبعد التخرج لم أعمل، وكنت أعاني من بعض الضغوط الأسرية، وأصبحت عندما أغضب أشعر بثقل شديد في يدي، وأحس برجفة ثم تظهر حبوب حمراء صغيرة في جسمي، وأحيانا أبكي بشدة وأظل أبكي طويلا، مع العلم أني محافظة على الصلاة وملتزمة بها، ولا أسمع الأغاني ولا أخرج من البيت إلا نادرا.

في ظل هذه التحديات والمشاعر المتضاربة، ما هي الخطوات العملية التي يمكنني اتخاذها لتحسين ثقتي بنفسي والتواصل بفعالية أكبر مع الآخرين؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ .. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإننا سعداء بأنك محافظة على الصلاة وملتزمة ولا تسمعين الأغاني، ونسأل الله تعالى أن يثبت إيمانك وأن يتقبل منك.

هنالك ثلاثة أمور يجب أن نتأكد منها حين نتحدث عما نسميه بالخجل الشديد: الأول: هل هو خجل بالفعل؟ لأن الخجل يؤدي إلى الكثير من القصور النفسي والاجتماعي، أي أن الإنسان لا يستطيع القيام بأي مشاركات معقولة في أوضاع وظروف عادية جدا، ويكون منطويا على نفسه، ولا يستطيع حتى أن ينظر إلى الناس في وجوههم مثلا.

أو هو حياء؟ وهنا نستطيع أن نقول: إن الحياء طاقة نفسية إيجابية، وهو عبارة عن ضوابط اجتماعية ونفسية يضعها الإنسان على نفسه، بأن يحترم الآخرين ويقدرهم، وأن يكون مهذبا ولطيفا، وأن يعطي كل إنسان قدره، ويتصرف في المواقف الاجتماعية تصرفا ينم ويدل على الذوق وعلى الأدب المطلق، ولا شك أن الحياء من الإيمان، والحياء لا يأتي إلا بخير، والحياء كله خير.

أما المحور الثالث فهو ما يسمى بالرهاب أو الخوف الاجتماعي، وهو حالة مكتسبة يحس فيها الإنسان أنه لا يستطيع أن يواجه مواقف اجتماعية عادية أو فوق العادية قليلا، حين يضطر لمواجهتها، بالرغم من أن هذه المواقف يستطيع بقية الناس أن يواجهونها بصورة عادية جدا.

الذي أراه وأستشفه من حالتك أنك الحمد لله لديك الحياء، وربما يكون لديك شيء من الخجل، وكذلك لديك درجة بسيطة من الخوف والرهاب الاجتماعي، ويظهر أن هذه الأمور الثلاثة قد اجتمعت وأدت إلى هذه الصورة التي تعانين منها، هذا من حيث ما يسمى بالتشخيص الإكلينيكي.

الذي أنصحك به هو أولا: أن تتخذي خطوات معينة، فأولى هذه الخطوات هو تصحيح المفاهيم، وتصحيح المفاهيم أعني به أن تنظري إلى نفسك نظرة إيجابية، وأن تضعي صورة إيجابية حول مقدراتك، وتتذكري هذا؛ لأن وضع الصورة السلبية والأفكار المشوهة عن الذات وتقييمها بصورة مجحفة، هذا يزيد من افتقاد المقدرات والمهارات الاجتماعية، وهذا لا شك أنه يولد الخوف والرهاب واستمرارية الخجل إن وجد.

ثانيا: هنالك فنيات بسيطة وبدائية، إذا طبقتها سوف تجدين أن هنالك تحسنا كبيرا قد طرأ على حالتك، من هذه المهارات البسيطة مثلا: حين تتحدثين انظري إلى الناس في وجوههم، زميلاتك من الفتيات، محارمك، وهكذا، حاولي أن تقع العين على العين، وهذا من فنون التحاور المهمة والبسيطة جدا التي تزيل الخوف والرهاب الاجتماعي.

ثالثا: يجب أن تتعلمي أن تحضري مواضيع معينة، حتى وإن كانت مواضيع بسيطة، وتبدئي في الحديث عنها في حضور أفراد الأسرة مثلا، خاصة والدك، ليس هنالك أبدا ما يمنعك من أن تتحدثي معه، مثلا: ابدئي اسأليه عن صحته، عن أحواله، أو أي من هذه المواضيع التي فيها شيء من البر للوالد، وفي نفس الوقت وسيلة للتواصل الإيجابي معه.

هناك طريقة أخرى فاعلة ومهمة تعرف باسم التعرض في الخيال، ونقصد بهذه الطريقة أن تحاولي رسم سيناريوهات لمواقف اجتماعية في مخيلتك.

على سبيل المثال، تخيلي أنه قد طلب منك تقديم عرض أو محاضرة حول موضوع معين أمام مجموعة من الفتيات، ابدئي هذه العملية الذهنية بالتحضير للموضوع، ثم إعداده وتنظيمه، ويمكنك حتى تصوره على برنامج البوربوينت. بعد ذلك، تخيلي نفسك وأنت تقومين بتقديم هذا العرض، عيشي تفاصيل هذه التجربة في خيالك وكأنها تحدث بالفعل.

تذكري أن هذا التمرين الذهني يمكن أن يتحول إلى واقع ملموس، فالحمد لله أنت خريجة جامعية وشخص ناضج ولديك القدرات والمهارات اللازمة، تخيلي نفسك أيضا في موقف دعوي، حيث تسألك بعض النساء عن مسألة معينة في العقيدة أو التوحيد أو حتى المعاملات، قومي بإعداد هذه المواضيع في ذهنك، وتصوري أنك قد سئلت عنها تحديدا، ثم ابدئي بسرد الإجابة المطلوبة بشكل منظم، ويا حبذا لو قمت بتسجيل هذا العرض الصوتي ومن ثم الاستماع إليه لتقييم أدائك.

تعد هذه الفنيات بسيطة ولكنها فعالة، ويجب أن يصل التعرض أو التعريض في الخيال إلى مرحلة الإغراق، حيث تنغمسين تماما في الفكرة وتتعاملين معها بجدية تامة، مستفيدة بأكبر قدر ممكن من تصور الموقف. يتطلب هذا الأمر تركيزا وجدية كما أشرت، ويفضل ألا تقل فترة التفكير الخيالي عن ربع ساعة إلى نصف ساعة.

رابعا: بالإضافة إلى ذلك، يمكنك اللجوء إلى بعض المنفرات النفسية لإبعاد نفسك عن المواقف السلبية، تخيلي مثلا أنك جالسة مع صديقاتك وشعرت بخوف شديد وعجزت عن التفاعل، فهذا موقف سلبي، فكري في هذا الموقف بتفاصيله، ثم قومي بالضرب على يدك بقوة حتى تشعري بالألم.

الفكرة من وراء ذلك هي ربط الألم بالتفكير السلبي، وقد أظهرت الدراسات أن اقتران هذين التفاعلين يؤدي إلى إضعاف التفاعل الأول، وهو في حالتك الموقف الاجتماعي السلبي مع صديقاتك.

خامسا: أنصحك أيضا بأن تخرجي من البيت، اخرجي مع أخواتك، اخرجي مع أهلك، اذهبي إلى الجيران، ولا بد أن تشاركي مثلا في حضور الدروس الدينية الموجودة في منطقتك، والحمد لله تعالى المملكة العربية السعودية عامرة جدا بمثل هذه النشاطات، وأنصحك بأن تنضمي إلى أحد مراكز التحفيظ؛ لأن هذا -إن شاء الله- يؤدي إلى تطوير مقدراتك الاجتماعية، وإذا أتيحت لك الفرصة للمشاركة في أي نشاط ثقافي أو اجتماعي أو خيري، هذه النشاطات تزيد من الدافعية لدى الإنسان، حتى الإنسان الذي يخجل أو يعاني من خوف اجتماعي حقيقي.

سادسا: إذا كنت تعانين من أعراض جسدية مصاحبة للمواقف الاجتماعية، مثل تسارع ضربات القلب، أو الرعشة الشديدة، أو التعرق، أو حتى الشعور بالتلعثم عند الحديث (حتى لو لم يكن حقيقيا)، فإننا في هذه الحالة ننصح باستعمال بعض الأدوية البسيطة التي قد تساعد في تخفيف هذه الأعراض.

من بين هذه الأدوية دواء معروف ومتوفر في المملكة العربية السعودية يباع تجاريا باسم (زولفت zoloft) أو (لوسترال، lustral)، ويعرف علميا باسم (سيرترالين، sertraline).

ننصح بتناول هذا الدواء بجرعة أولية بسيطة وهي نصف حبة (25 مليجراما) يوميا لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك يمكن زيادة الجرعة إلى حبة واحدة (50 مليجراما) يوميا، ويفضل تناول الدواء ليلا.

يجب الاستمرار على هذه الجرعة لمدة ثلاثة أشهر، ثم تخفيضها تدريجيا إلى خمسة وعشرين مليجراما يوميا لمدة شهر آخر قبل التوقف عن تناول الدواء نهائيا.

وهذا الدواء من الأدوية الممتازة لعلاج الخوف والرهاب الاجتماعي وعدم القدرة على المواجهات، ولا بد أن تبني صورة إيجابية عن نفسك، وتثقي في ذاتك وتحاولي تطويرها. هذا هو الذي أود أن أنصحك به، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات