كيف تحقق الصدق مع الله تعالى

0 298

السؤال

كيفه أكون صادقا مع ربي العظيم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الصدق مع الله تعالى لا يتحقق إلا بلزوم تقواه، والاستقامة على ما يحبه ويرضاه، بحيث تكون همة العبد متعلقة بربه ومولاه، فقد ذكر الله تعالى آية مشتملة ـ كما يقول ابن كثيرـ على جمل عظيمة، وقواعد عميمة، وعقيدة مستقيمة، وهي قوله تعالى: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس ثم قال سبحانه بعد هذه الأوصاف كلها: أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون {البقرة: 177}.

قال السعدي: أي: المتصفون بما ذكر من العقائد الحسنة، والأعمال التي هي آثار الإيمان وبرهانه ونوره، والأخلاق التي هي جمال الإنسان وحقيقة الإنسانية، فأولئك هم { الذين صدقوا } في إيمانهم، لأن أعمالهم صدقت إيمانهم اهـ.

والمقصود أن الصدق مع الله مرتبة عالية لا يصل إليها الإنسان إلا ببذل نفسه لله، يحث يكون أمره تبعا لأمر الله، يحب ما يحب، ويكره ما يكره، ويفعل ما يأمر، ولذلك اشتق من هذه الصفة الجليلة أعلى مراتب العبودية على الإطلاق بعد مرتبة النبوة، وهي مرتبة الصديقية.

فلا بد لمن أراد الصدق مع الله أن ينظر في هذه الآية وما فيها من شرائع وشعائر، فيتمثلها واقعا عمليا في حياته.

ولابد من توطين النفس على الالتزام والطاعة المطلقة لأمر الله، وإن كلفه ذلك الغالي والنفيس، ابتغاء مرضاته تعالى، بحيث يدخل العبد في السلم كافة ولا يتبع خطوات الشيطان، كما قال تعالى: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رءوف بالعباد * يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين {البقرة: 207-208}. فإن الله عز وجل إنما وصف بالصدق من وفى العبودية حقها، كما قال سبحانه: إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون {الحجرات: 15} وقال: للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون {الحشر: 8}.

فإذا فعل العبد ذلك فليبشر بكل خير، كما قال تعالى: فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم {محمد: 21} فإن الجزاء من جنس العمل، كما قال صلى الله عليه وسلم: إن تصدق الله يصدقك. رواه النسائي والطحاوي والطبراني والحاكم والبيهقي، وصححه الألباني.

ثم نذكر السائل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أراد أن يعلم ما له عند الله جل ذكره فلينظر ما لله عز و جل عنده. رواه أبو نعيم والحاكم وغيرهما، وحسنه الألباني.

قال المناوي: زاد الحاكم في روايته: فإن الله ينزل العبد منه حيث أنزله من نفسه، فمنزلة الله عند العبد في قلبه على قدر معرفته إياه وعلمه به وإجلاله وتعظيمه والحياء والخوف منه، وإقامة الحرمة لأمره ونهيه، والوقوف عند أحكامه، بقلب سليم ونفس مطمئنة، والتسليم له بدنا وروحا وقلبا، ومراقبة تدبيره في أموره، ولزوم ذكره والنهوض بأثقال نعمه ومننه، وترك مشيئته لمشيئته، وحسن الظن به، والناس في ذلك درجات، وحظوظهم بقدر حظوظهم من هذه الأشياء، فأوفرهم حظا منها أعظمهم درجة عنده، وعكسه بعكسه اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات