حكم صنع بيادق الشطرنج

0 227

السؤال

أريد أن أعرف هل بإمكاني صنع بيادق الشطرنج؟ مع العلم أن هذه البيادق تكون في بعض الأحيان على شكل تماثيل مثل الملك والملكة والوزير إلى غير ذلك, مع العلم أنها مخصصة للعب وليس للعبادة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فصناعة ورسم ذوات الأرواح من التماثيل وغيرها محرم تحريما شديدا، وهو داخل دخولا أوليا في النهي والوعيد الواردين في نصوص الشرع في شأن التصوير والمصورين إلا لعب الأطفال هي مستثناه عند جمهور أهل العلم، كما ذكر ذلك القاضي عياض وتابعه الإمام النووي في شرح مسلم.

استند العلماء في تحريم التصوير وصناعة ذات الأرواح من حيث الجملة إلى الأحاديث التالية:

الحديث الأول: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر ، وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم هتكه ، وتلون وجهه. فقال: يا عائشة: أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله. قالت عائشة: فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين .

وفي رواية عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله. وفي رواية أخرى من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم. وفي رواية: إنها قالت: فأخذت الستر فجعلته مرفقة أو مرفقتين ، فكان يرتفق بهما في البيت. وهذه الروايات رواها البخاري ومسلم.

الحديث الثاني: عن عائشة رضي الله عنها قالت:  واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل أن يأتيه في ساعة ، فجاءت تلك الساعة ولم يأته، قالت: وكان بيده عصا فطرحها ، وهو يقول: ما يخلف الله وعده ولا رسله ثم التفت ، فإذا جرو كلب تحت سرير ، فقال: متى دخل هذا الكلب ؟ فقلت: والله ما دريت به. فأمر به فأخرج ، فجاءه جبريل ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعدتني فجلست لك ولم تأتني ؟ فقال : منعني الكلب الذي كان في بيتك، إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة.

وروت ميمونة رضي الله عنها حادثة مثل هذه، وفيها قول جبريل: إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة.

الحديث الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه دخل دارا تبنى بالمدينة لسعيد ، أو لمروان ، فرأى مصورا يصور في الدار ، فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي ، فليخلقوا ذرة ، أو ليخلقوا حبة ، أو ليخلقوا شعيرة.

الحديث الرابع : عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه جاءه رجل فقال: إني رجل أصور هذه الصور فأفتني فيها. فقال: ادن مني ، فدنا منه ، ثم قال: ادن مني ، فدنا منه ، حتى وضع يده على رأسه ، وقال: أنبئك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كل مصور في النار ، يجعل له بكل صورة صورها نفسا ، فيعذبه في جهنم " ثم قال: إن كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له.

الحديث الخامس : عن أبي الهياج الأسدي أن عليا رضي الله عنه قال له:  ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تدع صورة إلا طمستها ، ولا قبرا مشرفا إلا سويته .

ومن هنا نقل ابن العربي الإجماع على أن تصوير ما له ظل حرام كما حكاه عنه الحافظ في الفتح، ولا شك أن صناعة آلات الشطرنج مما لها ظل، فعلى ذلك يحرم صناعة هذه الآلات، وأما قول الأخ السائل أنها لا تستخدم في عبادة فليست العلة على الصحيح من أقوال أهل العلم في تحريم صناعة التماثيل و التصاوير وغير ذلك من أجل أنها من الممكن أن تعبد من دون الله، بل العلة لكونها مضاهاة لخلق الله كما في الحديث الذي مر من قبل.

قال الحافظ العيني الحنفي في عمدة القاري شرح صحيح البخاري: قال أصحابنا وغيرهم تصوير صورة الحيوان حرام أشد التحريم وهو من الكبائر، وسواء صنعه لما يمتهن أو لغيره فحرام بكل حال؛ لأن فيه مضاهاة لخلق الله، وسواء كان في ثوب أو بساط أو دينار أو درهم أو فلس أو إناء أو حائط وأما ما ليس فيه صورة حيوان كالشجر ونحوه فليس بحرام وسواء كان في هذا كله ما له ظل وما لا ظل له وبمعناه قال جماعة العلماء مالك والثوري وأبو حنيفة وغيرهم. اهـ

ثم أضف إلى أن صناعة آلات الشطرنج وسيلة لترويج اللعب بالشطرنج واللعب بالشطرنج على ثلاثة أحوال:

الأول: أن يشتمل على عوض ، فحينئذ تكون محرمة باتفاق العلماء.

قال الإمام ابن عبد البر: أجمعوا على أن اللعب بها على العوض قمار لا يجوز.

الثاني: أن يشتمل اللعب بها على ترك واجب، أو فعل محرم، وذلك كترك الصلاة، وترك بر الوالدين، وارتكاب الكذب، واليمين الفاجرة، وهذه الصورة يقول عنها شيخ الإسلام كما في الفتاوى : فإنها تكون حراما باتفاق العلماء.

الثالث: أن تخلو عن كل هذه المفاسد. فإذا خلت عن عوض، ولم تشتمل على ترك واجب أو فعل محرم، فقد اختلف العلماء فيها بين قائل بحرمتها، وقائل بإباحتها.

 قال النووي في شرح مسلم :"وأما الشطرنج فمذهبنا أنه مكروه ليس بحرام، وهو مروي عن جماعة من التابعين وقال مالك وأحمد حرام قال مالك هو شر من النرد وألهى عن الخير وقاسوه على النرد."

 ونازع البلقيني من الشافعية في الكراهة وقال بإباحة الشطرنج إن خلت من محرم. ونقل اللعب بها عن سعيد بن جبير، وسعيد بن المسيب ، وجمع من التابعين كما حكاه عنهم ابن عبد البر في التمهيد.

والحاصل أن للعب بالشطرنج ثلاثة أحوال: اثنان محرم فيهما قطعا ، والثالث يدور قول أكثر أهل العلم فيه- بمن فيهم أهل المذاهب الأربعة- بين التحريم والكراهة الشديدة.

قال الجمل في حاشيته: وترد الشهادة به - أي الشطرنج - إن اقترن به أخذ مال أو فحش أو دوام عليه. قال: الإمام الماوردي أو لعبه على الطريق، أو كان فيه صورة حيوان كما قاله غيره، ومن ثم صرح بعضهم بأنه يحرم اللعب بكل ما في آلته صورة محرمة.

 وهذا كاف في زجر المسلم العاقل عن صناعة ما يعين على هذه اللعبة لعموم قوله تعالى: ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب. {المائدة: 2}

ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10063، 16481، 28529، 52376.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة