تعدد الزوجات بين الأفضلية وعدمها

0 471

السؤال

لم أجد في النصوص الشرعية من القرآن العظيم والسنة المطهرة ما يفيد بترغيب المسلمين في تعدد الزوجات فلماذا يقوم بعض علماء الدين بالترغيب وإظهار مزايا تعدد الزوجات رغم عدم ورود ذلك في القرآن أو السنة. وجميع النصوص الشرعية على حد علمي و قوموني إن كنت على خطأ تفيد بإباحته و تحدد ضوابطه و لكن لا تحث عليه وأعجب حقا ممن يأتي بفوائد لا تزيد عن كونها اجتهادا بشريا لتعدد الزوجات بدون نص مساند من القرآن العظيم والسنة المطهرة. أفليس الأولى أن يحث القرآن العظيم أو النبي الكريم على ذلك كما حثنا على الكثير من الفضائل ورغب فيها. إذا قمنا بحساب عدد حالات التعدد الناجحة نجدها نسبة قليلة من حالات التعدد و هذا يتفق مع هدي القرآن في جعله مباحا لإيجاد حل لحالات معينة تقدر بظروفها ولم يحث عليه و يرغب فيه. حيث انه مباح . والإسلام لم يأت بتعدد الزوجات الذي كان مقبولا في ذلك العصر وإنما قننه وحدده بضوابط شرعية. ما ردكم على رأيي هذا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالذي يدفع العلماء إلى الحديث عن تعدد الزوجات والترغيب فيه، هو شيوع الحملات التي تعارض التعدد وتحرمه، وتسعى إلى تجريمه ومنعه بالقانون، كما حدث في بعض الدول، وأصحاب هذه الحملات بعضهم من المسلمين المفتونين بالحضارة الغربية والمهزومين نفسيا الذين يتحرجون من انتقاد الغرب لإباحة التعدد في الإسلام، وبعضهم من الحاقدين المارقين عن الدين الحريصين على إشاعة الانحلال وإفساد المجتمعات الإسلامية، وقد أثرت هذه الحملات في كثير من البلاد الإسلامية حتى استقر في نفوس كثير من النساء، أن التعدد جريمة أخلاقية وخيانة للزوجة.

ولا شك أن تحريم ما أحله الله، أو تقييده بما لم يرد به الشرع، محادة لله ورسوله، وافتراء على شرعه ، وذلك ما لا يجوز السكوت عليه ، بل ينبغي للعلماء القيام بواجبهم ، ببيان الحق ودفع الأباطيل وكشف الشبهات.

كما أن ما تعانيه مجتمعات المسلمين من مشاكل العنوسة التي وصلت إلى مراحل خطيرة، ووجود أعداد كبيرة من المطلقات والأرامل، مع ما يعرف من الإحصائيات من زيادة أعداد النساء عن أعداد الرجال، كل ذلك في ظل أمواج الفتن التي تحيط بالمسلمين، يدفع الغيورين على دينهم والحريصين على طهارة مجتمعاتهم، إلى حث المسلمين على تيسير أسباب الزواج الشرعي، صيانة للمجتمع عن الوقوع في الفواحش، وتحصيلا لما يحققه الزواج من مصالح شرعية واجتماعية ونفسية.

أما عن حكم التعدد فهو الإباحة بشرط القدرة عليه والعدل بين الزوجات، أما أن يقال إن حكمه مندوب، أو أنه أفضل من الاقتصار على زوجة واحدة، هكذا على الإطلاق، فهذا ما لا يدل عليه دليل معتبر من الشرع، لكنه قد يكون في أحوال معينة مندوبا، وقد تعتريه الأحكام الشرعية من الوجوب والكراهة والتحريم، اعتبارا بحال الرجل، أما عند الإطلاق فهو مع تحقق شروطه مباح فقط، بل قد نص كثير من العلماء على أن الأفضل هو الاقتصار على زوجة واحدة.

 قال الماوردي الشافعي: فقد أباح الله تعالى أن ينكح أربعا بقوله: مثنى وثلاث ورباع، وندبه إلى الاقتصار على واحدة بقوله: فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة وذهب ابن داود وطائفة من أهل الظاهر إلى أن الأولى أن يستكمل نكاح الأربع إذا قدر على القيام بهن ولا يقتصر على واحدة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتصر عليها ، واستحب الشافعي أن يقتصر على واحدة وإن أبيح له أكثر: ليأمن الجور بالميل إلى بعضهن أو بالعجز عن نفقاتهن، وأولى المذهبين عندي اعتبار حال الزوج؛ فإن كان ممن تقنعه الواحدة فالأولى أن لا يزيد عليها، وإن كان ممن لا تقنعه الواحدة لقوة شهوته وكثرة جماعه فالأولى أن ينتهي إلى العدد المقنع من اثنتين أو ثلاث أو أربع ليكون أكنى لبصره وأعف لفرجه.

وقال ابن قدامة الحنبلي صاحب الشرح الكبير: والأولى أن لا يزيد على امرأة واحدة. ذكره في المحرر لقول الله تعالى: فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة. انتهى من الشرح الكبير لابن قدامة.

ومن العلماء المعاصرين الشيخ ابن عثيمين، قال: وعلى هذا فنقول: الاقتصار على الواحدة أسلم، ولكن مع ذلك إذا كان الإنسان يرى من نفسه أن الواحدة لا تكفيه ولا تعفه، فإننا نأمره بأن يتزوج ثانية وثالثة ورابعة، حتى يحصل له الطمأنينة، وغض البصر، وراحة النفس. انتهى من الشرح الممتع.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة