معالم لاستجلاب فضل الله وعافيته

0 657

السؤال

هل صحيح قول ابن الجوزي: (أعطوا الله ما يحب، يعطكم ما تحبون، استجيبوا لله إذا دعاكم، يستجب لكم إذا دعوتموه)؟ وإذا كان صحيحا، فما معنى هذا القول؟
ثانيا: ورد في بعض المواضيع التي أقرؤها أن اتباع بعض الخطوات للشفاء من المرض، أو أي شيء تريده من الله عز وجل:
أن تكون على وضوء طيلة الوقت طوال أسبوع.
أن تتصدق.
أن تقول الكلمات المحببة إلى الله: (سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولا إله إلا الله).
كثرة مدح الله، فهل هذه الطريقة صحيحة أم هي بدعة؟
وأحب أن أشير إلى أن هذه المواضيع لا يقصد بها ثبوت هذه الأشياء على الرسول، وإنما يقصد بها فعل ما يحب الله؛ لكي يفعل لنا ما نحب، فما قولكم؟ وما الأشياء التي نفعلها ليرضى عنا الله، ويشفينا من الأمراض؟ وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعـد:

فلفظ كلام ابن الجوزي في كتاب: (التذكرة في الوعظ) هكذا: كونوا كما أمركم الله، يكن لكم كما وعدكم، أجيبوا الله إذا دعاكم، يجبكم إذا دعوتموه، أعطوا الله ما طلبه من طاعته، يعطكم من رحمته ما طلبتموه. اهـ.

وفي معناه ما قاله ابن القيم في طريق الهجرتين: إن الله سبحانه قضى أن لا ينال ما عنده إلا بطاعته، ومن كان لله كما يريد، كان الله له فوق ما يريد، فمن أقبل إليه، تلقاه من بعيد، ومن تصرف بحوله وقوته، ألان له الحديد، ومن ترك لأجله، أعطاه فوق المزيد، ومن أراد مراده الديني، أراد ما يريد. اهـ.

ومعنى هذا الكلام يتبين بشرح شيخ الإسلام ابن تيمية لما نقله عن ابن النحاس أنه رأى الشيخ عبد القادر في منامه، وهو يقول إخبارا عن الحق تعالى: من جاءنا، تلقيناه من البعيد، ومن تصرف بحولنا، ألنا له الحديد، ومن اتبع مرادنا، أردنا ما يريد، ومن ترك من أجلنا، أعطيناه فوق المزيد.

قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: التقرب بحوله هو الاستعانة، والتوكل عليه، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وفي الأثر: من سره أن يكون أقوى الناس، فليتوكل على الله. وعن سعيد بن جبير: التوكل جماع الإيمان. وقال تعالى: ومن يتوكل على الله فهو حسبه {الطلاق:3}، وقال: إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم {الأنفال: 9}، وهذا على أصح القولين في أن التوكل عليه بمنزلة الدعاء -على أصح القولين أيضا- سبب لجلب المنافع ودفع المضار؛ فإنه يفيد قوة العبد، وتصريف الكون؛ ولهذا هو الغالب على ذوي الأحوال -متشرعهم، وغير متشرعهم-، وبه يتصرفون، ويؤثرون تارة بما يوافق الأمر، وتارة بما يخالفه.

وقوله: ومن اتبع مرادنا يعني المراد الشرعي... هذا هو طاعة أمره، وقد جاء في الحديث: وأنت -يا عمر- لو أطعت الله لأطاعك. وفى الحديث الصحيح: ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه. وقد قال تعالى: ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله {الشورى:26}.

وقوله: ومن ترك من أجلنا، أعطيناه فوق المزيد: يعني ترك ما كره الله من المحرم والمكروه لأجل الله رجاء، ومحبة، وخشية، أعطيناه فوق المزيد؛ لأن هذا مقام الصبر، وقد قال تعالى: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب {الزمر:10}. انتهى.

والخلاصة: أن الله تعالى يجازي عبده من جنس عمله، فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، كما قال تعالى: ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى {النجم:31}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من سره أن يعلم ما له عند الله، فليعلم ما لله عنده. رواه أبو نعيم في الحلية، وحسنه الألباني. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة، يعطى بها في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة. رواه مسلم. وقال صلوات الله وسلامه عليه: إن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته. رواه أبو نعيم، وصححه الألباني.

وعلى ذلك؛ فمن أراد فضل الله تعالى، ورحمته، وعافيته، فلن يجد مثل طاعة الله تعالى لينال ما يريد، فهذا أصل المسألة.

أما أن يرتب لهذه الطاعة أورادا وطرقا معينة تضاهي الشريعة، كتلك المذكورة في السؤال، فيخشى أن يكون هذا داخلا فيما يعرف بالبدعة الإضافية، وفي ما عندنا من كتاب الله، وما بلغنا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم غنية، وكفاية.

فليحرص السائل الكريم على تقوى الله، والاجتهاد في طاعته؛ بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم في يومه وليلته، وراجع في بيان الوسائل الناجعة لتلمس الشفاء -بإذن الله- الفتوى: 49953.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى