يصيبها العجب ولا تشعر بحقيقة الاستغفار

0 152

السؤال

مشكلتي هي: أنني لم أعص الله ومع ذلك لا أحس بحقيقة الاستغفار، حيث إنني عندما أحاول الاستقامة على طاعة الله فأفلح بتوفيق من الله وأبتعد عن المعاصي يصيبني حين ذاك العجب بنفسي، فحينما أريد أن أستغفر الله مع استحضار ذنوبي يقول لي الشيطان أي ذنوب؟ أنت لم تفعلي شيئا، مع علمي أننا كلنا خطاؤون فلا أقدر على استحضارها فيذهب خشوعي وأصاب بالغرور، ولكن لما أعصي الله أحس بجريمتي و ظلمي لنفسي فأستغفر الله من كل قلبي وأحس بمرارة المعصية، فهذه الحالة تؤخرني عن الوصول إلى الدرجات العليا من الإيمان، ومرت السنوات وأنا على هذا الحال ولم تصلح علاقتي مع الله وأنا محترقة جدا من هذا الوضع، فحتى لما أريد أن أستحضر المعاصي التي مضت تقول لي نفسي لقد تبت فتاب الله عليك، فماذا أفعل؟ و ما هو الحل؟ وكيف كان الصحابة رضوان الله عليهم؟ مع ما كانوا عليه يخافون ولوج النار، أما نحن فصرنا آمنين نقول لا نفعل تلك الجرائم الكبرى التي تستحق ولوجنا الى النار فالله غفور رحيم، مع علمي أن هذا الكلام خطأ.
أفيدوني جزاكم الله.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن لله سبحانه هو المنعم عليك بإيجادك وإيجاد أعمالك، فلا معنى لعجب عامل بعمله، ولا عالم بعلمه، ولا جميل بجماله، ولا غني بغناه، إذ كل ذلك من فضل الله تعالى،‏‏ وفي الصحيحين‏: أن أبا هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لن يدخل أحدا عمله الجنة قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: لا ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة.

وإن العبد مهما عمل من طاعات فهو يرجو من الله الشكور قبولها، ولكنه لا يعلم هل قبلت أم لا؟ فالقبول لا يكون إلا من المتقين، كما في قوله تعالى: إنما يتقبل الله من المتقين{المائدة: 27}.

ومن الذي يجزم لنفسه أنه اتقى الله في كل عمل يعمله، فالنفس فيها آفات كثيرة من الغفلة والرياء وحب الظهور وهوى النفس وغير ذلك، وهل تعلمين معنى التقوى؟ قال طلق بن حبيب: التقوى: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو رحمة الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عذاب الله.

وقد أوضح شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ هذا المعنى وبين حقيقة استغفارالمؤمنين في كلام مفيد له يحتاج إلى تدبر، قال ـ رحمه الله ـ في رسالة التوبة: والتقوى في العمل بشيئين: أحدهما: إخلاصه لله وهو أن يريد به وجه الله لا يشرك بعبادة ربه أحدا، والثاني: أن يكون مما أمره الله به وأحبه فيكون موافقا للشريعة لا من الدين الذي شرعه من لم يأذن الله له، وهذا كما قال الفضيل بن عياض في قوله: ليبلوكم أيكم أحسن عملا.هود: من الآية7.

 قال: أخلصه وأصوبه، وذلك أن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة.

 فالسعيد يخاف في أعماله أن لا يكون صادقا في إخلاصه الدين لله، أوأن لا تكون موافقة لما أمر الله به على لسان رسوله، ولهذا كان السلف يخافون النفاق على أنفسهم، فذكرالبخاري عن أبي عالية قال: أدركت ثلاثين من أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم كلهم يخاف النفاق على نفسه، ولهذا كانوا يستثنون فيقول أحدهم: أنا مؤمن ـ إن شاء الله ـ ومثل هؤلاء يستغفرون الله مما علموه أو لم يعلموه من التقصير والتعدي ويتوبون من ذلك، وهذا مشروع للأنبياء والمؤمنين، كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر بعد الصلاة ثلاثا، وقال تعالى: والمستغفرين بالأسحار.آل عمران: من الآية17.

  قالوا: كانوا يحيون الليل صلاة ثم يقعدون في السحر يستغفرون فيختمون قيام الليل بالاستغفار.

وقال تعالى: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين* ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم. البقرة:199.

 وقال تعالى: إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا* فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا. النصر:1-3. انتهى .

وأيضا قد قال تعالى: والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون {المؤمنون:60}. 

 وقد يظن البعض أنهم يذنبون ويخافون من الله معاقبتهم على الذنوب يوم القيامة، وليس الأمر كذلك، فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة.

 قالت عائشة: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: لا يا بنت الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.

وما أحسن قول أبي عثمان الجيزي: من علامة السعادة أن تطيع, وتخاف أن لا تقبل، ومن علامة الشقاء أن تعصي وترجو أن تنجو.

فالحل أختنا أن يكون عندك خوف ورجاء صحيحين، قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ في شرحه لباب: الرجاء مع الخوف من صحيح البخاري: أي استحباب ذلك, فلا يقطع النظر في الرجاء عن الخوف ولا في الخوف عن الرجاء لئلا يفضي في الأول إلى المكر وفي الثاني إلى القنوط وكل منهما مذموم, والمقصود من الرجاء أن من وقع منه تقصير فليحسن ظنه بالله ويرجو أن يمحو عنه ذنبه, وكذا من وقع منه طاعة يرجو قبولها. انتهى .

واعلمي أن المغفرة تقع لمن وصفهم الله بقوله: وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى{طـه:82}.

فما يؤمنك إذا تعمدت الذنب أن يوفقك الله للتوبة، فهل تضمنين عمرك وحياتك؟ وإذا عشت واستغفرت، فهل تضمنين قبول الله لاستغفارك؟ فاعملي صالحا مع رجاء القبول، وإن أذنبت فاستغفري الله عزوجل فهو غفار الذنوب، وتذكري مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على التوبة والاستغفار وهو سيد المطيعين وسيد ولد آدم أجمعين، وقد قال ابن عمر : كان يعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة من قبل أن يقوم: رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور. رواه أبوداود وابن ماجة والترمذي وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني.

وننصحك بطلب العلم فهو الذي يزيل هذه الشبهات، وكثرة ذكر الموت، والاطلاع على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، مع معرفة صفات المؤمنين المذكورة في الكتاب والسنة، فكل هذا سيثبتك ـ إن شاء الله ـ على الطاعة ويذيقك حلاوتها، ويبين لك أنه لا أحد ممن نورالله بصيرته يتعمد المعصية ليحس بحلاوة الاستغفار، ولمعرفة خطر العجب وعلاجه راجعي الفتوى رقم : 118700.

وراجعي  هذا الرابط:https://www.islamweb.net/ar/article/10237

والله أعلم.


 

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات