الوسيلة في القرآن والسنة

0 316

السؤال

هناك ناس يقولون إن علينا منافسة الأنبياء والمرسلين في حب الله وقربه وإننا إن لم نفعل فقد أشركنا بالله إذ حصرنا الأنبياء لله فقط ويستشهدون بهذه الآية : أولـئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا. [الإسراء : 57].
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون. [المائدة : 35].
يقولون إن جميع العباد يتنافسون على من يكون أحب عبد لله وهو الذي سيفوز بالوسيلة وهى الدرجة العالية، ومن ثم يقولون إن هناك نعيما أعظم منها وهو تحقيق رضوان الله في نفسه وهو أن الله يتحسر على عباده الذين في النار حزينا عليهم ولذلك سيبعث الله الناس جميعا من أول رسول إلى آخر رسول سيدنا محمد ثم يجعلهم أمة واحدة مؤمنة حتى لا يعذبهم ويستشهدون بهذه الآية: ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين [هود : 119]
وإلا من رحم ربك هو المهدي أي أن جميع العباد الذين من قبله أخطأوا الوسيلة اتخذوا النعيم الأعظم وهو رضوان الله طريقا لجنته ولم يحققوا رضوان الله في نفسه، ويقولون إنه لا أحد عبد الله حق عبادته إلا المهدي. أرجو أن تجيبونا على هذه الأقوال الغريبة؟
وهذا نص المزعوم :
ألا والله لو يسأل الإمام المهدي أكبر فطحول من علماء النصارى وأقول فهل ترى أنه يجوز لك أن تنافس رسول الله المسيح عيسى ابن مريم صلى الله عليه وعلى أمه وآل عمران وسلم في حب الله وقربه لزأر في وجه المهدي المنتظر وقال كيف تريدني أن أنافس ولد الله في حب الله وقربه بل ولد الله أولى بأبيه مني، بل أنا أعبد المسيح عيس ابن مريم قربة إلى الله لأنه ولد الله ليقربني إلى ربي، ثم يرد عليه الإمام المهدي ويقول: سبحان الله العظيم عما يشركون وتعالى علوا كبيرا. وكذلك لو سأل أكبر فطحول من علماء أمة الإسلام الأميين التابعين لجدي النبي الأمي محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هل ترون أنه ينبغي لكم أن تنافسوا محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حب الله وقربه كذلك سوف يزأر علينا بصوت مرتفع وكيف تريدني أن أنافس محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاتم النيين شفيعنا بين يدي الله يوم الدين، فاذهب أيها المجنون. ثم يرد عليه الإمام المهدي فهل تعبد الله أم تعبد محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم يرد علينا بل أعبد الله وحده لا شريك له، ثم يسأله الإمام المهدي مرة أخرى ويقول وهل تحب محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكثر أم الله؟ ثم يرد علينا بل أحب الله أكثر من محمد عبده ورسوله، ثم يرد عليه الإمام المهدي ألا والله لو كنت تحب الله أكثر من حبك لمحمد عبده ورسوله لأخذتك الغيرة على ربك من شدة حبك لربك ولنافست كافة الأنبياء والمرسلين في حب الله وقربه، ألا والله لو لم تزالوا على الهدى لما ابتعث الله الإمام المهدي ليهديكم إلى صراط العزيز الحميد بالبيان الحق للقرآن المجيد. اللهم قد بلغت اللهم فاشهد وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فما ورد في السؤال إنما هو بسبب لبس وخلط بين معنى الوسيلة الواردة في الآيتين المذكورتين، وبين معناها في حديث الدعاء بعد الأذان، وفيه يقول عليه الصلاة والسلام: ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجوا أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة. رواه مسلم.

فالوسيلة في الآيتين إنما هي بمعنى القربة الموصلة إلى رضا الله تعالى.

وأما الوسيلة في الدعاء المذكور فإنما هي علم على منزلة عالية في الجنة.

قال الشنقيطي في أضواء البيان: قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة. {المائدة:35}. الآية.

اعلم أن جمهور العلماء على أن المراد بالوسيلة هنا هو القربة إلى الله تعالى بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه على وفق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بإخلاص في ذلك لله تعالى، لأن هذا وحده هو الطريق الموصلة إلى رضا الله تعالى، ونيل ما عنده من خير الدنيا والآخرة.

وأصل الوسيلة: الطريق التي تقرب إلى الشيء، وتوصل إليه وهي العمل الصالح بإجماع العلماء؛ لأنه لا وسيلة إلى الله تعالى إلا باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالآيات المبينة للمراد من الوسيلة كثيرة جدا كقوله تعالى: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. {الحشر: 7}، وكقوله: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني. {آل عمران: 31}، وقوله: قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول.  إلى غير ذلك من الآيات...

وقال:... وهذا الذي فسرنا به الوسيلة هنا هو معناها أيضا في قوله تعالى: أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب. {الإسراء:57}، وليس المراد بالوسيلة أيضا المنزلة التي في الجنة التي أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نسأل له الله أن يعطيه إياها، نرجو الله أن يعطيه إياها، لأنها لا تنبغي إلا لعبد، وهو يرجو أن يكون هو.

فإذا تقرر أن الوسيلة التي بمعنى الدرجة العلية في الجنة لا تنبغي إلا لعبد واحد، فكيف يصح أن ننافس عليها أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم؟! هذا كلام ليس بجيد، وإنما الصواب أن يقال يجب علينا الاقتداء بالأنبياء والمرسلين، فإنه لا طريق موصل إلى الله إلا من خلال اتباعهم واقتفاء أثرهم، فنتوسل إلى الله ونتقرب إليه بالعمل الصالح المؤسس على الإخلاص لله واتباع هدي أنبيائه ورسله، وعلى رأسهم سيد الأنام محمد عليه الصلاة والسلام.

وانظر الفتوى رقم: 119501.

وأما بقية ما ورد من السؤال فهو جرأة على الله وسوء أدب معه وتقول عليه بلا علم، وكفى بذلك إثما عظيما. فقوله تعالى: ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين. {هود:118- 119}.

قال السعدي في تفسيره: يخبر تعالى أنه لو شاء لجعل الناس كلهم أمة واحدة على الدين الإسلامي، فإن مشيئته غير قاصرة، ولا يمتنع عليه شيء، ولكنه اقتضت حكمته، أن لا يزالوا مختلفين، مخالفين للصراط المستقيم، متبعين للسبل الموصلة إلى النار، كل يرى الحق، فيما قاله، والضلال في قول غيره.

إلا من رحم ربك فهداهم إلى العلم بالحق والعمل به، والاتفاق عليه، فهؤلاء سبقت لهم، سابقة السعادة، وتداركتهم العناية الربانية والتوفيق الإلهي. وأما من عداهم، فهم مخذولون موكولون إلى أنفسهم.

وقوله: ولذلك خلقهم أي: اقتضت حكمته، أنه خلقهم، ليكون منهم السعداء والأشقياء، والمتفقون والمختلفون، والفريق الذين هدى الله، والفريق الذين حقت عليهم الضلالة، ليتبين للعباد، عدله وحكمته، وليظهر ما كمن في الطباع البشرية من الخير والشر، ولتقوم سوق الجهاد والعبادات التي لا تتم ولا تستقيم إلا بالامتحان والابتلاء. و لأنه تمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين. فلا بد أن ييسر للنار أهلا يعملون بأعمالها الموصلة.

فبالتأمل في النص القرآني المذكور تجد أنه لا يلتئم معناه إلا بهذا التفسير، وأما التفسير الوارد في السؤال فمحض كذب وبهتان وافتراء على الله جل وعلا، وعلى قائله من الله ما يستحق.

وكذلك النص المزعوم.

إضافة إلى أن القول بأنه لا أحد عبد الله حق عبادته إلا المهدي، وأن جميعهم أخطأوا الوسيلة، يقتضي تخطئة الأنبياء والمرسلين في طريقهم إلى الله وتفضيل المهدي عليهم، ثم إنه لا أحد قد عبد الله حق عبادته؛ لأن حقه سبحانه عظيم، ففي الحديث: يوضع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السموات و الأرض لوسعت، فتقول الملائكة: يا رب لمن يزن هذا؟ فيقول الله تعالى: لمن شئت من خلقي، فتقول الملائكة: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك، و يوضع الصراط مثل حد الموسى، فتقول الملائكة: من تجيز على هذا؟ فيقول: من شئت من خلقي، فيقولون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك. رواه الحاكم وغيره وصححه الألباني.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات