ثمرات العلم بصفات الله والإيمان بها

0 462

السؤال

نرجو تحديد بعض آثار صفات لله تعالى وتبيين آثارها في الإيمان.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن آثار صفات الله ظاهرة في تشريعاته الدينية، وفي الكون وما فيه من خلق الله وأحداث جارية وماضية في تاريخ الأمم، فأحكام هذا الدين الحنيف ـ بما فيها من عدل ورحمة وشمول ـ تظهر فيها آثار كونه سبحانه رؤوفا رحيما حكيما عليما محيطا عدلا أحكم الحاكمين.

ومن ذلك أنه: لما سمى نفسه ـ الغفور الرحيم ـ ظهر أثر مغفرته ورحمته لهذا المخلوق، وهو رحمته به والتوبة عليه إذا أذنب واستغفر، ولما سمى نفسه ـ الكريم ـ سبحانه وتعالى ظهر أثر كرمه، وهو أن العبد يفعل الحسنة التي لا حول له فيها ولا قوة، بل هي من الله عز وجل الذي وفقه لها وأعطاه القوة عليها، ثم يقابله الله عز وجل بأن يجعل له عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، ولهذا الموضوع علاقة قوية بالدعاء.

وكذلك هذا الكون المحكم المتناسق البديع وانضباط حركة أفلاكه وما فيه من مخلوقات في السماء وفي الأرض بما في ذلك الإنسان وما فيه من آيات، كل هذا تظهر فيه آثار صفات الله من القدرة والعظمة والحكمة والرحمة وغيرها.

وكذلك آثار كونه قهارا غالبا على أمره عزيزا ذا انتقام تظهر في مصارع الأمم الغابرة من المكذبين وأعداء الرسول كثمود وقوم لوط وآل فرعون، وانتقامه منهم ونصره لرسله.

وهكذا في باقي الصفات.

وأما آثارها على الإيمان، فلا شك أن لها آثارا عظيمة على إيمان العبد، فمن ذلك:

1ـ أن العبد يسعى إلى الاتصاف والتحلي بها على ما يليق به، لأنه من المعلوم عند أرباب العقول أن المحب يحب أن يتصف بصفات محبوبه، كما أن المحبوب يحب أن يتحلى محبه بصفاته، فهذا يدعو العبد المحب لأن يتصف بصفات محبوبه ومعبوده كل على ما يليق به، فالله كريم يحب الكرماء، رحيم يحب الرحماء، رفيق يحب الرفـق، فإذا علم العبد ذلك، سعى إلى التحلي بصفات الكرم والرحمة والرفق، وهكذا في سائر الصفات التي يحب الله تعالى أن يتحلى بها العبد على ما يليق بذات العبد.
2ـ ومنها: أن العبد إذا آمن بصفة ـ الحب والمحبة ـ لله تعالى وأنه سبحانه رحيم ودود استأنس لهذا الرب وتقرب إليه بما يزيد حبه ووده له: ولا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه.

وسعى إلى أن يكون ممن يقول الله فيهم : يا جبريل إني أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض.

ومن آثار الإيمان بهذه الصفة العظيمة أن من أراد أن يكون محبوبا عند الله اتبع نبيه صلى الله عليه وسلم: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله {آل عمران31}.

وحب الله للعبد مرتبط بحب العبد لله، وإذا غرست شجرة المحبة في القلب وسقيت بماء الإخلاص ومتابعة الحبيب صلى الله عليه وسلم، أثمرت أنواع الثمار وآتت أكلها كل حين بإذن ربها.
3ـ ومنها: أنه إذا آمن العبد بصفات: العلم، والإحاطة، والمعية ـ أورثه ذلك الخوف من الله عز وجل المطلع عليه الرقيب الشهيد، فإذا آمن بصفة ـ السـمع ـ علم أن الله يسمعه، فلا يقول إلا خيرا، فإذا آمن بصفات ـ البصر، والرؤية، والنظر، والعين ـ علم أن الله يراه، فلا يفعل إلا خيرا، فما بالك بعبد يعلم أن الله يسمعه ويراه  ويعلم ما هو قائله وعامله، أليس حري بهذا العبد أن لا يجده الله حيث نهاه، ولا يفتقده حيث أمره؟ فإذا علم هذا العبد وآمن أن الله يحب، ويرضى عمل ما يحبه معبوده ومحبوبه وما يرضيه، فإذا آمن أن من صفاته ـ الغضب، والكره، والسخط، والمقت، والأسف، واللعن، عمل بما لا يغضب مولاه ولا يكرهه حتى لا يسخط علـيه ويمقته ثم يلعنه ويطرده من رحمته، فإذا آمن بصفات ـ الفرح، والبشبشة، والضحك ـ أنس لهذا الرب الذي يفرح لعباده ويتبشبش لهم ويضحك لهم، ما عدمنا خيرا من رب يضحك.
4ـ ومنها: أنه إذا علم العبد وآمن بصفات الله من: الرحمة، والرأفة، والتوب، واللطف، والعفو، والمغفرة والستر، وإجابة الدعاء ـ فإنه كلما وقع في ذنب دعا الله أن يرحمه ويغفر له ويتوب عليه وطمع فيما عند الله من ستر ولطف بعباده المؤمنين، فأكسبه هذا رجعة وأوبة إلى الله كلما أذنب، ولا يجد اليأس إلى قلبه سبيلا..  كيف ييأس من يؤمن بصفات: الصبر، والحلم؟ كيف ييأس من رحمة الله من علم أن الله يتصف بصفة: الكرم  والجود، والعطاء؟.
5ـ ومنها: أن العبد الذي يعلم أن الله متصف بصفات: القهر، والغلبة، والسلطان، والقدرة، والهيمنة  والجبروت ـ يعلم أن الله لا يعجزه شيء، فهو قادر على أن يخسف به الأرض وأن يعذبه في الدنيا قبل الآخرة  فهو القاهر فوق عباده، وهو الغالب لمن غالبه، وهو المهيمن على عباده ذو الملكوت والجبروت والسلطان القديم، فسبحان ربي العظيم.
6ـ ومن ثمرات الإيمان بصفات الله عز وجل أن يظل العبد دائم السؤال لربه، فإن أذنب، سأله بصفات ـ الرحمة والتوب، والعفو، والمغفرة ـ أن يرحمه ويتوب عليه ويعفو عنه ويغفر له، وإن خشي على نفسه من عدو متجهم جبار، سأل الله بصفات ـ القوة، والغلبة، والسلطان، والقهر، والجبروت ـ رافعا يديه إلى السـماء قائلا: يا رب يا ذا القوة والسلطان والقهر والجبروت اكفنيه، فإن آمن أن الله ـ كفيل، حفيظ، حسيب، وكيل ـ قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، وتوكل على: الواحد، الأحد، الصمد ـ وعلم أن الله ذو العزة، والشدة، والمحال، والقوة والمنعة ـ مانعه من أعدائه، ولن يصلوا إليه بإذنه تعالى، فإذا أصيب بفقر دعا الله بصفات ـ الغنى، والكرم والجود والعطاء ـ فإذا أصيب بمرض دعاه، لأنه هو ـ الطبيب، الشافي، الكافي ـ فإن منع الذرية سأل الله أن يرزقه ويهبه الذرية الصالحة، لأنه هو ـ الرزاق، الوهاب ـ وهكذا، فإن من ثمرات العلم بصفات الله والإيمان بها دعاؤه بها.
7ـ ومنها: أن العبد إذا تدبر صفات الله من: العظمة، والجلال، والقوة، والجبروت، والهيمنة ـ استصغر نفسه  وعلم حقارتها، وإذا علم أن الله مختص بصفة ـ الكبرياء ـ لم يتكبر على أحد، ولم ينازع الله فيما خص به نفسه من الصفات، وإذا علم أن الله متصف بصفة ـ الغنى، والملك، والعطاء ـ استشعر افتقاره إلى مولاه الغني مالك الملك الذي يعطي من يشاء ويمنع من يشاء.
8ـ ومنها: أنه إذا علم أن الله يتصف بصفة ـ القوة، والعزة، والغلبة ـ وآمن بها، علم أنه إنما يكتسب قوته من قوة الله، وعزته من عزة الله، فلا يذل ولا يخنع لكافر، وعلم أنه إن كان مع الله كان الله معه ولا غالب لأمر الله.
9ـ ومن ثمرات الإيمان بصفات الله: أن لا ينازع العبد الله في صفة ـ الحكم، والألوهية، والتشريع، والتحليل  والتحريم ـ فلا يحكم إلا بما أنزل الله، ولا يتحاكم إلا إلى ما أنزل الله، فلا يحرم ما أحل الله، ولا يحل ما حرم الله.
10ـ ومنها: أن صفات ـ الكيد، والمكر، والاستهزاء، والخداع ـ إذا آمن بها العبد على ما يليق بذات الله وجلاله وعظمته، علم أن لا أحد يستطيع أن يكيد لله أو يمكر به، وهو خير الماكرين سبحانه، كما أنه لا أحد من خلقه قادر على أن يستهزئ به أو يخدعه، لأن الله سيستهزئ به ويخادعه، ومن أثر استهزاء الله بالعبد أن يغضب عليه ويمقته ويعذبه، فكان الإيمان بهذه الصفات وقاية للعبد من الوقوع في مقت الله وغضبه.
11ـ ومنها: أن العبد يحرص على أن لا ينسى ربه ويترك ذكره، فإن الله متصف بصفة ـ النسيان، والترك ـ
فتجده ـ نسوا الله فنسيهم ـ فالله قادر على أن ينساه أي : يتركه، 
دائم التذكر لأوامره ونواهيه.
12ـ ومنها أن العبد الذي يعلم أن الله متصف بصفة ـ السلام، والمؤمن، والصدق ـ فإنه يشعر بالطمأنينة والهدوء النفسي، فالله هو السلام، ويحب السلام، فينشر السلام بين المؤمنين، وهو المؤمن الذي أمن الخلق من ظلمه، وإذا اعتقد العبد أن الله متصف بصفة ـ الصدق ـ وأنه وعده ـ إن هو عمل صالحا ـ جنات تجري من تحتها الأنهار، علم أن الله صادق في وعده، لن يخلفه، فيدفعه هذا لمزيد من الطاعة، طاعة عبد عامل يثق في سيده وأجير في مستأجره أنه موفيه حقه وزيادة.
13ـ ومنها: أن صفات الله الخبرية كالوجه، واليدين، والأصابع، والأنامل، والقدمين، والساق، وغيرها ـ  تكون كالاختبار الصعب للعباد، فمن آمن بها وصدق بها على وجه يليق بذات الله عز وجل بلا تمثيل ولا تحريف ولا تكييف، وقال: كل من عند ربنا، ولا فرق بين إثبات صفة العلم والحياة والقدرة وبين هذه الصفات من هذا إيمانه ومعتقده، فقد فاز فوزا عظيما، ومن قدم عقله السقيم على النقل الصحيح، وأول هذه الصفات وجعلها من المجاز وحرف فيها وعطلها، فقد خسر خسرانا مبينا، إذ فرق بين صفة وصفة، وكذب الله فيما وصف به نفسه، وكذب رسوله صلى الله عليه وسلم، فلو لم يكن من ثمرة الإيمان بهذه الصفات إلا أن تدخل صاحبها في زمرة المؤمنين الموحدين لكفى بها ثمرة، ولو لم يكن من ثمراتها إلا أنها تميز المؤمن الحق الموحد المصدق لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وبين ذاك الذي تجرأ عليهما وحرف نصوصهما واستدرك عليهما لكفى، فكيف إذا علمت أن هناك ثمرات أخرى عظيمة للإيمان بهذه الصفات الخبرية؟ منها: أنك إذا آمنت أن لله وجها يليق بجلاله وعظمته، وأن النظر إليه من أعظم ما ينعم الله به على عبده يوم القيامة، وقد وعد به عباده الصالحين سألت الله النظر إلى وجهه الكريم، فأعطاكه، وأنك إذا آمنت أن لله يدا ملأى لا يغيضها نفقة وأن الخير بين يديه سبحانه، سألته مما بين يديه، وإذا علمت أن قلبك بين إصبعين من أصابع الرحمن، سألت الله أن يثبت قلبك على دينه، وهكذا.
14ـ ومن ثمرات الإيمان بصفات الله عز وجل: تنزيه الله وتقديسه عن النقائص، ووصفه بصفات الكمال، فمن علم أن من صفاته ـ القدوس، السبوح ـ نزه الله مـن كل عيب ونقص ـ ليس كمثله شيء.

15ـ ومنها: أن من علم أن من صفات الله ـ الحياة، والبقاء ـ علم أنه يعبد إلها لا يموت، ولا تأخذه سنة ولا نوم فأورثه ذلك محبة وتعظيما وإجلالا لهذا الرب الذي هذه صفته.
16ـ ومن ثمرات الإيمان بصفة ـ العلو، والفوقية، والاستواء على العرش، والنزول، والقرب، والدنو ـ أن العبد يعلم أن الله منـزه عن الحلول بالمخلوقات، وأنه فوق كل شيء، مطلع على كل شيء، بائن عن خلقه، مستو على عرشه، وهو قريب من عبده بعلمه، فإذا احتاج العبد إلى ربه، وجده قريبا منه، فيدعوه، فيستجيب دعاءه  وينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الآخـر من الليل كما يليق به سبحانه، فيقول: من يدعوني؟ فأستجب له.  فيورث ذلك حرصا عند العبد بتفقد هذه الأوقات التي يخلو فيها مع ربه القريب منه، فهو سبحانه قريب في علوه بعيد في دنوه.
17ـ ومنها أن الإيمان بصفة ـ الكلام ـ وأن القرآن كلام الله يجعل العبد يستشعر وهو يقرأ القرآن أنه يقرأ: يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم.

كلام الله، فإذا قرأ: أحس أن الله يكلمه ويتحدث إليه، فيطير قلبه وجلا، وأنه إذا آمن بهذه الصفة، وقرأ في الحديث الصحيح أن الله سيكلمه يوم القيامة، ليس بينه وبينه ترجمان، استحى أن يعصي الله في الدنيا وأعد لذلك الحساب والسؤال جوابا.
وهكذا، فما من صفة لله تعالى، إلا وللإيمان بها ثمرات عظيمة، وآثار كبيرة مترتبة على ذلك الإيمان، فما أعظم نعم الله على أهل السنة والجماعة الذين آمنوا بكل ذلك على الوجه الذي يليق بالله تعالى.

ـ من كتاب صفات الله الواردة في الكتاب والسنة للشيخ: علوي السقاف.

والله أعلم.


مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة