حكم مقولة (اللهم علمك بحالي يغنيك عن سؤالي)

0 330

السؤال

انتشر بين الناس دعاء لم أسمع به من قبل وظاهره يحمل الكثير وهو: اللهم علمك بحالي يغنيك عن سؤالي ـ فما حكم هذا الدعاء؟.
أفادكم الله.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقول القائل: اللهم علمك بحالي يغنيك عن سؤالي ـ مأخوذ من القول الذي نسبه البعض إلى إبراهيم الخليل عليه السلام، وقد ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وبين بطلان معناه ومنافاته للأدلة التي تأمر بالدعاء وتستحبه، فقال ـ رحمه الله: وما يروى أن الخليل لما ألقي في المنجنيق قال له جبريل: سل، قال: حسبي من سؤالي علمه بحالي ـ ليس له إسناد معروف وهو باطل، بل الذي ثبت في الصحيح عن ابن عباس أنه قال: حسبي الله ونعم الوكيل.

قال ابن عباس: قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد حين: قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم.

وقد روي أن جبريل قال: هل لك من حاجة؟ قال: أما إليك فلا.

وقد ذكر هذا الإمام أحمد وغيره.

وأما سؤال الخليل لربه عز وجل: فهذا مذكور في القرآن في غير موضع، فكيف يقول حسبي من سؤالي علمه بحالي؟ والله بكل شيء عليم وقد أمر العباد بأن يعبدوه ويتوكلوا عليه ويسألوه، لأنه سبحانه جعل هذه الأمور أسبابا لما يرتبه عليها من إثابة العابدين وإجابة السائلين، وهو سبحانه يعلم الأشياء على ما هي عليه، فعلمه بأن هذا محتاج أو هذا مذنب لا ينافي أن يأمر هذا بالتوبة والاستغفار، ويأمر هذا بالدعاء وغيره من الأسباب التي تقضى بها حاجته، كما يأمر هذا بالعبادة والطاعة التي بها ينال كرامته.

هـ من مجموع الفتاوى.

وقال ـ رحمه الله أيضا ـ في مجموع الفتاوى: وأما قوله: حسبي من سؤالي علمه بحالي ـ فكلام باطل خلاف ما ذكره الله عن إبراهيم الخليل وغيره من الأنبياء من دعائهم لله ومسألتهم إياه، وهو خلاف ما أمر الله به عباده من سؤالهم له صلاح الدنيا والآخرة، كقولهم: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

ودعاء الله وسؤاله والتوكل عليه عبادة لله مشروعة بأسباب، كما يقدره بها، فكيف يكون مجرد العلم مسقطا لما خلقه وأمر به؟ والله أعلم. هـ

وقال الشيخ الألباني ـ رحمه الله: حديث: حسبي من سؤالي علمه بحالي ـ لا أصل له، وقد أورده بعضهم من قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام, وهو من الإسرائيليات, ولا أصل له في المرفوع, وقد ذكره البغوي في تفسير سورة الأنبياء مشيرا لضعفه, فقال: روي عن كعب الأحبار أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما رموا به في المنجنيق إلى النار استقبله جبريل, فقال: يا إبراهيم ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا، قال جبريل: فسل ربك، فقال إبراهيم: حسبي من سؤالي علمه بحالي.

وقد أخذ هذا المعنى من صنف في الحكمة على طريقة الصوفية, فقال: سؤالك منه - يعني الله تعالى - اتهام له.

وهذه ضلالة كبري, فهل الأنبياء صلوات الله عليهم متهمون لربهم حين سألوه مختلف الأسئلة؟ فهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام يقول: ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون{ إبراهيم ـ 37-41}.

إلى آخر الآيات.

وكلها أدعية.

وأدعية الأنبياء في الكتاب والسنة لا تكاد تحصى, والقائل المشار إليه قد غفل عن كون الدعاء الذي هو تضرع والتجاء إلى الله تعالى عبادة عظيمة ـ وبغض النظر عن ماهية الحاجة المسؤولة ـ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: الدعاء هو العبادة ، صحيح.

ثم تلا قوله تعالى: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين { غافر:60}.

ذلك، لأن الدعاء يظهر عبودية العبد لربه وحاجته إليه ومسكنته بين يديه, فمن رغب عن دعائه، فكأنه رغب عن عبادته سبحانه وتعالى, فلا جرم جاءت الأحاديث متضافرة في الأمر به والحض عليه, حتى قال صلى الله عليه وسلم: من لا يدع الله, يغضب عليه ، حديث حسن.

قالت عائشة ـ رضي الله عنها: سلوا الله كل شيء, حتى الشسع, فإن الله عز وجل, إن لم ييسره لم يتيسر.

حسن.

وبالجملة, فهذا الكلام المعزو لإبراهيم عليه الصلاة والسلام لا يصدر من مسلم يعرف منزلة الدعاء في الإسلام فكيف يصدر ممن سمانا المسلمين؟.

 انتهى كلام الألباني من السلسلة الضعيفة.

وبهذا يعلم أن القول المذكور خطأ من قائله ولا يشرع قوله والتذرع به لترك الدعاء المشروع.

 والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات