إبليس سأل الله تعالى أن ينظره إلى يوم يبعثون حقيقة

0 229

السؤال

هل قوله تعالى: ( قال رب أنظرني إلى يوم يبعثون ... إلى يوم الوقت المعلوم ) تمثيل لبقاء القوة الشريرة ببقاء الإنسان؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الآية المذكورة لا يراد بها مجرد التمثيل، فإبليس سأل حقيقة وأجابه الله لذلك كما أخبر تعالى في قوله: قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون * قال فإنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم {الحجر: 36-38}.

قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: قوله تعالى: قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون. هذا السؤال من إبليس لم يكن عن ثقته منه بمنزلته عند الله تعالى، وأنه أهل أن يجاب له دعاء، ولكن سأل تأخير عذابه زيادة في بلائه كفعل الآيس من السلامة، وأراد بسؤاله الإنظار إلى يوم يبعثون: ألا يموت لأن يوم البعث لا موت فيه ولا بعده قال الله تعالى: قال فإنك من المنظرين يعني من المؤجلين إلى يوم الوقت المعلوم. اهـ.

واعلم أن أهل العلم ذكروا أن الأصل حمل القرآن على الحقيقة لأنها الأصل ما لم يترجح المجاز بشهرة أو غيرها، وبناء عليه فلا يحمل اللفظ القرآني على التمثيل والرمز إلا بدليل قرينة تصرفه إلى المجاز، ولا قرينة هنا تصرف الكلام عن ظاهره.

قال السبكي في الأشباه والنظائر: حمل اللفظ على ما يتبادر إلى الذهن أولى، ومن ثم يحمل على الحقيقة ما لم يترجح المجاز بشهرة أو غيرها. اهـ.

وقال الشيخ ابن عثيمين: لو تأمل المتكلم الكلام وأعطاه حقه من التأمل لعلم أن القرآن المبين ليس فيه شيء تكون معانيه رمزية، فإن الرموز مخالفة لبيان القرآن الكريم، بعيدة عن دلالاته كيف وقد قال الله عنه: ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى {النحل: 89}. وقال تعالى: { كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون {فصلت: 3}. وقال في وصفه: حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون {الزخرف: 1-2}. وقال: إن هو إلا ذكر وقرآن مبين {يس: 69}. فكيف يكون هذا القرآن العظيم الذي نزل تبيانا لكل شيء، وفصلت آياته، ووصفه من أنزله بأنه مبين، وأنه جعله قرآنا عربيا من أجل عقله وفهمه...

إذا كنا نمنع منعا باتا الدلالات الرمزية في الأحكام التكليفية التي متعلقها أعمال العباد التي قد يسوغ الاجتهاد في بعضها حسبما تقتضيه الشريعة، فكيف نسوغ لأنفسنا أن نعمل بالدلالات الرمزية في الأخبار المحضة التي لا مجال للرأي فيها بوجه من الوجوه؟

إننا لو سوغنا ذلك لأنفسنا لتلاعب الناس في كلام الله، وكلام رسوله وصار كل واحد من الناس، أو كل طائفة من الناس تدعي أن هذه الآية أو هذا الحديث رمز لكذا وكذا، فتبطل الشريعة بهذا المعيار عقيدة ومنهجا.

ولا أدري هل يمكن لقدم مؤمن أن تثبت في الدنيا، أو إذا لاقى ربه يوم القيامة على دعوى أن في كلام الله تعالى ما دلالته رمزية، وقد أخبر الله تعالى عنه أنه جعله قرآنا عربيا لنعقله ونفهمه على مقتضى اللسان العربي الذي نزل به؟ اهـ. من مجموع فتاوى ورسائل العثيمين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات