ضرورة تنوع أساليب الدعوة، وتعدد درجات الخطاب

0 395

السؤال

أود أن أعرف حضرتكم أني عندي وساوس من سنتين وتعرض لي أسئلة كثيرة وأريد الاستفسار عنها. كنت أود أن أعرف لماذا هناك بعض أحاديث الرسول صلي الله عليه وسلم ليست واضحة، بمعنى هناك أحاديث يأمر فيه الناس بأمر معين، وهناك أحاديث أخرى تدل على استحباب نفس الأمر وليس فرضيته. لماذا لم يأت حديث واحد فقط يبين استحباب الأمر.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا شك أن المرء لو أدرك واستحضر مهام الرسل وضخامتها، في دعوة أقوامهم إلى الحق، وتعليمهم ما ينفعهم، وتزكية نفوسهم بما يصلحهم، وسياسة أمورهم بمنهج ربهم، مع ما بين الناس من التفاوت في كل شيء، والتباين في كل منحى، فمنهم ذو العلم والرأي، ومنهم ذو الحمق والجهل، ومنهم الفظ الغليظ، ومنهم اللين الرفيق، ومنهم الفطن اللبيب، ومنهم الغبي السفيه، ومنهم الشجاع والكريم، ومنهم الجبان والبخيل، ومنهم ذو المروءة الشريف، ومنهم اللئيم الخسيس، ومنهم عالي الهمة، ومنهم سافلها ... وهكذا.

ومن أدرك هذه الحال جزم بضرورة تنوع أساليب الدعوة، وتعدد درجات الخطاب، وتباين طرق الحوار. وهذا بلا شك أحد دعائم الدعوة الحكيمة والموعظة البليغة.

 وقد قال تعالى: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن {النحل: 125}

 فلا غرابة أن يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم كل إنسان بما يلائمه، ويأمره بما يناسبه، ويحمله على ما يصلحه.

أضف إلى ذلك طول زمان الدعوة، واختلاف مراحلها، ما بين استضعاف وتمكين، وسلم وحرب، وضيق وسعة، الأمر الذي يستلزم تغيير صيغة الخطاب بل ومضمونه أحيانا، ومن أمثلة ذلك حديث عائشة قالت: دف أهل أبيات من أهل البادية حضرة الأضحى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادخروا ثلاثا ثم تصدقوا بما بقي". فلما كان بعد ذلك قالوا: يا رسول الله إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم ويجملون منها الودك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما ذاك؟" قالوا: نهيت أن تؤكل لحوم الضحايا بعد ثلاث. فقال: "إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت فكلوا وادخروا وتصدقوا". رواه البخاري ومسلم واللفظ له.

وأما ما يظهر لآحاد الناس من التعارض بين النصوص فهذا أمر منطقي؛ نظرا لتفاوت الناس في العلم والفهم، وهنا يبرز دور العلماء الذي يضبطون مدارك الأحكام ويحسنون استنباطها ويحققون مناطها، فإن مآخذ الأحكام ليست متساوية في الوضوح والظهور، ومن حكمة ذلك أن يظهر أثر العلم ويستبين فضل أهله على غيرهم.

 وقد قال الله عز وجل: وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم. {النساء:83}

 قال السعدي: في هذا دليل لقاعدة أدبية وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولى من هو أهل لذلك ويجعل إلى أهله، ولا يتقدم بين أيديهم، فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ. اهـ.

والله تعالى قد قضى بحكمته أن يكون من آيات القرآن ـ فضلا عن السنة ـ ما في دلالته أو معناه شيء من الخفاء، وأن تكون مثل هذه المواضع مظهرة لفضيلة الراسخين في العلم.

 كما قال تعالى: هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب. {آل عمران: 7}.

وقد سبق لنا بيان ما يفعله المسلم إذا اختلفت عليه أقوال العلماء، في الفتويين: 6787، 5592.

ولمزيد الفائدة عن قاعدة: الأمر للوجوب إلا أن تصرفه قرينة. يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 66156.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة