رد شبهات حول بعض العلماء وبعض مسائل العقيدة

0 517

السؤال

ماهي الوهابية؟ وهل أنتم وهابيون؟ فقد سمعت أن الوهابية لها فتاوى متشددة مثل تحريم الاحتفال بالمولد النبوي، وأفكار خاطئة في العقيدة فهم يقولون مثلا إن الله يجلس على العرش في حين أن السؤال عن ذلك بدعة مثل ما يقول الإمام مالك، كما أنهم يعتمدون على فتاوى ابن باز وهو غير جيد حسب ما قيل لي، ويعتمدون على فتاوى ابن القيم وابن تيمية الذي كان دائما يدخل السجن في حياته مرتدا، ثم يخرج منه بعد أن يستتاب، وقد قيل لي إن ابن تيمية قد خالف الإجماع في عصره، فماهو تعليقكم على ما ذكر أعلاه؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فأما سؤالك عن الوهابية فجوابه في الفتوى رقم: 38579.

وأما نحن: فإننا نعظم الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ ونعرف فضله وجهده المشكور في نصرة السنة، وتقرير قضايا التوحيد، ومحاربة المظاهر الشركية التي كانت فاشية في عصره، ونسأل الله أن يكون جهده هذا في موازين حسناته، فإن كان تعظيم الشيخ واعتقاد أنه مصيب في عامة ما دعا إليه من محاربة الشرك وتقرير دعوة الرسل عليهم السلام إلى التوحيد يستلزم وصفنا بأننا وهابية فنحن إذا كذلك، ولقد أحسن الشافعي ـ رحمه الله ـ إذ قال:

إن كان رفضا حب آل محمد     فليشهد الثقلان أني رافضي.

وأما الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ فهو من أعيان علماء هذا الزمان، وهو ـ رحمه الله ـ غني عن ثنائنا وبياننا فضائله، وما امتاز به من قوة البصيرة ودقة الفهم ووفور الحظ من العلم بالكتاب والسنة. ونحن نوصيك قبل تحقيق التهم وتصديق كل مرجف أن تدخل إلى موقع الشيخ ـ رحمه الله ـ فتعرف ترجمته وسيرته العطرة، وتطالع ما شئت من فتاواه المباركة في شتى فروع العلم لتعلم أنه لا يصدر فيما يقرره إلا عن دليل.

وأما شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فكان نسيج وحده في العلم والفهم والحفظ وسعة الاطلاع والعناية بمذاهب السلف، وليس هو بالمعصوم، لكنه ـ رحمه الله ـ من أعظم مجددي هذا الدين، والثناء عليه وذكر فضائله ومآثره يطول جدا، وقد ألفت في سيرته مؤلفات جمة، ونحن نكتفي هنا بإيراد ما ذكره حافظ الدنيا ابن حجر ـ رحمه الله ـ في تقريظه للرد الوافر، يقول الحافظ عليه الرحمة: وشهرة الإمام الشيخ تقي الدين ابن تيمية أشهر من الشمس وتلقيبه بشيخ الإسلام باق إلى الآن على الألسنة الزكية ويستمر غدا لما كان بالأمس، ولا ينكر ذلك إلا من جهل مقداره وتجنب الإنصاف، فما أكثر غلط من تعاطى ذلك وأكثر غباره فالله تعالى هو المسئول أن يقينا شرور أنفسنا وحصائد ألسنتنا بمنه وفضله، ولو لم يكن من فضل هذا الرجل إلا ما نبه عليه الحافظ الشهير علم الدين البرزالي في تاريخه أنه لم يوجد في الإسلام من اجتمع في جنازته لما مات ما اجتمع في جنازة الشيخ تقي الدين لكفى، وأشار إلى أن جنازة الإمام أحمد كانت حافلة جدا شهدها مؤون ألوف لكن لو كان بدمشق من الخلائق نظير ما كان ببغداد، بل أضعاف ذلك لما تأخر أحد منهم من شهود جنازته ومع حضور هذا الجمع العظيم فلم يكن لذلك باعث إلا اعتقاد إمامته وبركته لا بجمع سلطان ولا غيره وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أنتم شهداء الله في الأرض ـ وقد قام على الشيخ تقي الدين جماعة من العلماء مرارا بسبب أشياء أنكروها عليه من الأصول والفروع وعقدت له بسبب ذلك عدة مجالس بالقاهرة ودمشق ولا يعلم عن أحد منهم أنه أفتى بزندقته ولا حكم بسفك دمه مع شدة المتعصب عليه حينئذ من أهل الدولة حتى حبس بالقاهرة ثم الإسكندرية ومع ذلك فكلهم يعترف بسعة علمه وزهده ووصفه بالسخاء والشجاعة وغير ذلك من قيامه في نصرة الإسلام والدعاء إلى الله تعالى في السر والعلانية فإنه شيخ مشايخ الإسلام في عصره بلا ريب والمسائل التي أنكرت عليه ما كان يقولها بالتشهي ولا يصر على القول بها بعد قيام الدليل عليه عنادا وهذه تصانيفه طافحة بالرد على من يقول بالتجسيم والتبري منه، ومع ذلك فهو بشر يخطئ ويصيب فالذي أصاب فيه وهو الأكثر يستفاد منه ويترحم عليه بسببه، والذي أخطأ فيه لا يقلد فيه، بل هو معذور، لأن علماء الشريعة شهدوا له بأن أدوات الاجتهاد اجتمعت فيه حتى كان أشد المتعصبين عليه العاملين في إيصال الشر إليه وهو الشيخ كمال الدين الزملكاني شهد له بذلك وكذلك الشيخ صدر الدين بن الوكيل الذي لم يثبت لمناظرته غيره، ومن أعجب العجب أن هذا الرجل كان من أعظم الناس قياما على أهل البدع من الروافض والحلولية والاتحادية وتصانيفه في ذلك كثيرة شهيرة وفتاويه فيهم لا تدخل تحت الحصر فيا قرة أعينهم إذا سمعوا تكفيره ويا سرورهم إذا رأوا من يكفره من أهل العلم. فالواجب على من يلتبس بالعلم وكان له عقل أن يتأمل كلام الرجل من تصانيفه المشهورة أو من ألسنة من يوثق به من أهل النقل فيفرد من ذلك ما ينكر فليحذر منه قصد النصح ويثني عليه بفضائله فيما أصاب من ذلك كدأب غيره من العلماء الأنجاب، ولو لم يكن للشيخ تقي الدين من المناقب إلا تلميذه الشهير الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية صاحب التصانيف النافعة السارة التي انتفع بها الموافق والمخالف لكان غاية في الدلالة على عظيم منزلته، فكيف وقد شهد له بالتقدم في العلوم والتمييز في المنطوق والمفهوم أئمة عصره من الشافعية وغيرهم فضلا عن الحنابلة، فالذي يطلق عليه مع هذه الأشياء الكفر لا يلتفت إليه ولا يعول في هذا المقام عليه، بل يجب ردعه عن ذلك إلى أن يراجع الحق ويذعن للصواب. انتهى باختصار يسير.

وإنما نقلناه بطوله، لأنه شهادة من عالم يتفق على جلالته محبو شيخ الإسلام ومبغضوه، وليس هو من مدرسة الشيخ ولا المتعصبين له بحال، وقد تبين لك من كلام الحافظ المنقول وغيره من كلام الأئمة والعلماء كثير لا تتسع لبسطه هذه الفتوى المختصرة أن الشيخ لم يسجن ليستتاب من الكفر قط، وإنما كانت مسائل ثارت بينه وبين المشايخ في عصره كمسألة الطلاق ومسألة شد الرحال لزيارة القبر الشريف ونحو ذلك، وهو ـ رحمه الله ـ امتحن كما امتحن غيره من الأئمة والعلماء، فصبر لحكم الله ولم يترك القول بما يراه صوابا أداه إليه اجتهاده، وسواء أخطأ الشيخ أو أصاب، وسواء خالفه الشخص أو وافقه، فليس هذا مقام تحقيق المسائل التي خالفه فيها علماء عصره، فالمقطوع به أنه لم يقل بها عن تشه وإنما أداه إليها اجتهاد كملت له أدواته كما مر بك في كلام الحافظ، فلا تجوز الوقيعة فيه ولا الطعن عليه، بل يجب حفظ حرمته ورعاية حقه لما له من الأثر العظيم في خدمة الدين والذب عن السنة ـرحمه الله.

وأما مسألة الاحتفال بالمولد النبوي: فنحن نقول إنه أمر محدث لم يكن عليه عمل أحد من القرون المفضلة الذين هديهم خير الهدي، ولسنا أشد حبا للنبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة والتابعين، ومع ذا لم ينقل عن أحد منهم أنه احتفل بمولده صلوات الله عليه، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، فأي إنكار على من يدعو الناس إلى العودة إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

وأما مسألة الاستواء: فنحن وشيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب والشيخ ابن باز ـ رحم الله الجميع ـ قائلون فيها بما ورد عن الإمام مالك ـ رحمه الله ـ فنثبت لله تعالى الاستواء على العرش استواء يليق بجلاله من غير تشبيه له بصفات المخلوقين، ولا نسأل عن كيفية ذلك، لأن السؤال عن كيفية صفات الرب بدعة، ولا يوصف الرب بأنه جالس على العرش، وإنما يوصف بما وصف به نفسه من كونه مستويا على العرش، ولمزيد الفائدة والتفصيل راجع الفتوى رقم: 135889، وما فيها من إحالات.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة