الساعة تأتي بغتة ولا تأتي إلا بعد أشراطها وبيان اليوم عند الله تعالى

0 382

السؤال

يوجدعندي سؤالان
الأول: هل الساعة تأتي بغتة علينا أو على أشرار القوم يعني هل أستطيع أن أقول أنه ليس من الممكن أن تقوم الساعة غدا، لأن العلامات لم تكتمل ولم يظهر المهدي والدجال ووو؟ وإذا كان الجواب نعم فما تفسير آية: هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لايشعرون؟ وكثير من الآيات على نفس السياق فكيف أجمع بينهما؟ حيث عندما أقول لأصحابي وأقاربي هذا الكلام يقولون لي لا يجوز الساعة من الممكن أن تأتي في أي وقت يجب عليك أن تستعد فأقول لهم لم تظهر كل العلامات فأنا متأكد أن الساعة لن تقوم علينا ويبدأون في الإنكار علي وأنني أتيت بقول غريب، والسوال الثاني: كلنا نعلم أن الزمان لا يحكم الله أي أن الله لا يوجد عنده مستقبل وحاضر، فما هو اليوم عند الله؟ وهل هو زمان؟ وكيف أقارنه بزمان عندنا؟ وهل يوجد عند الله زمان منفصل؟ وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون.

الإجابــة

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا ريب في أن كل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم واقع لا محالة، وأنه لا تعارض بين نصوص الشرع إطلاقا وأن الساعة لن تقوم إلا بعد وقوع أشراطها التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم أتم بيان، ولا ينافي هذا أنها تأتي بغتة فإنها تقوم بعد وقوع أشراطها في حال من غفلة الناس وإعراضهم وعدم اكتراثهم لها، قال صاحب المنار: لا تأتيكم إلا بغتة أي: فجأة على حين غفلة، من غير توقع ولا انتظار، ولا إشعار ولا إنذار، وقد تكرر هذا القول في التنزيل، وجاء في حديث أبي هريرة من الصحيحين، واللفظ للبخاري: ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقى فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أحدكم أكلته إلى فيه فلا يطعمها ـ والمعنى: أنها تبغت الناس وهم منهمكون في أمور معايشهم المعتادة، وأبلغ من هذا قوله تعالى في أول سورة الحج: يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد {22: 1، 2ـ فيجب على المؤمنين أن يخافوا ذلك اليوم، وأن يحملهم الخوف على مراقبة الله تعالى في أعمالهم فيلتزموا فيها الحق، ويتحروا الخير، ويتقوا الشر والمعاصي، ولا يجعلوا حظهم من أمر الساعة الجدال، والقيل والقال. انتهى.

ووجه آخر في معنى إتيان الساعة بغتة هو أن المراد ساعة كل أحد الخاصة به وهي وقت موته، فإنه حينئذ ينقطع العمل وينكشف للعبد حقيقة حاله، ومن ثم قيل: من مات قامت قيامته، وإذا كان الموت يأتي بغتة ولا يدري أحد متى يفجؤه أجله كان إتيانه بغتة بمثابة إتيان الساعة بغتة فيزول التنافي بهذا الوجه بين كونها تأتي بغتة وكونها لا تأتي إلا بعد وقوع أشراطها، قال العلامة رشيد رضا ـ رحمه الله وعفا عنه: وحمل بعض المفسرين الآيات على القيامة الصغرى لكل فرد وهي ساعة موته وزاد بعضهم القيامة الوسطى، وهي هلاك الجيل أو القرن، وفسروا به حديث: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظروا الساعة رواه البخاري من حديث أبي هريرة، وقد يراد بالساعة هنا ساعة زوال الدولة، لأن هذا من شئونها، واستدلوا عليه بحديث: إذا مات أحدكم فقد قامت قيامته رواه الديلمي عن أنس مرفوعا، وفي حديث عائشة من صحيح مسلم: كان الأعراب يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة فنظر إلى أحدث إنسان منهم فقال: إن يعش هذا لم يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم ـ ومثله من حديث أنس عنده أيضا وهو أصرح من حديث أبي هريرة لإضافة الساعة إليهم، قال الداوودي: هذا الجواب من معاريض الكلام فإنه لو قال لهم: لا أدري ـ ابتداء مع ما هم فيه من الجفاء، وقبل تمكن الإيمان في قلوبهم لارتابوا فعدل إلى إعلامهم بالوقت الذي ينقرضون هم فيه، وقال الكرماني: إن هذا الجواب من الأسلوب الحكيم، أي دعوا السؤال عن وقت القيامة الكبرى فإنها لا يعلمها إلا الله، واسألوا عن الوقت الذي يقع فيه انقراض عصركم فهو أولى لكم، لأن معرفتكم تبعثكم على ملازمة العمل الصالح قبل فوته، لأن أحدكم لا يدري من الذي يسبق الآخر. انتهى.

وبهذا يتبين لك جواب سؤالك الأول ويزول عنك الإشكال في الآيات المذكورة.

وأما سؤالك الثاني: فليس لقولك: إن الله ليس عنده حاضر ولا مستقبل ـ معنى يفهم، إلا أن تريد أن الجميع في علم الله سواء فهذا حق، وأما قوله تعالى: وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون، فقد اختلف في هذا اليوم هل المراد به يوم القيامة أو يوم من الأيام التي خلق الله فيها الدنيا أو هو غير ذلك، قال الأمين الشنقيطي رحمه الله: قوله تعالى: وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ـ بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن اليوم عنده جل وعلا كألف سنة مما يعده خلقه وما ذكره هنا من كون اليوم عنده كألف سنة، أشار إليه في سورة السجدة بقوله: يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون {32 5} وذكر في سورة المعارج أن مقدار اليوم خمسون ألف سنة وذلك في قوله: تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة الآية {70 4} فآية الحج، وآية السجدة متوافقتان تصدق كل واحدة منهما الأخرى، وتماثلها في المعنى، وآية المعارج تخالف ظاهرهما لزيادتها عليهما بخمسين ضعفا، وقد ذكرنا وجه الجمع بين هذه الآيات في كتابنا: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ـ وسنذكره إن شاء الله هنا ملخصا مختصرا، ونزيد عليه بعض ما تدعو الحاجة إليه فقد ذكرنا ما ملخصه: أن أبا عبيدة روى عن إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة أنه حضر كلا من ابن عباس، وسعيد بن المسيب، سئل عن هذه الآيات: فلم يدر ما يقوله فيها، ويقول: لا أدري، ثم ذكرنا أن للجمع بينهما وجهين: الأول: هو ما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق سماك، عن عكرمة عن ابن عباس من أن يوم الألف في سورة الحج: هو أحد الأيام الستة التي خلق الله فيها السماوات والأرض، ويوم الألف في سورة السجدة، هو مقدار سير الأمر وعروجه إليه تعالى، ويوم الخمسين ألفا، هو يوم القيامة.

الوجه الثاني: أن المراد بجميعها يوم القيامة، وأن اختلاف زمن اليوم إنما هو باعتبار حال المؤمن، وحال الكافر، لأن يوم القيامة أخف على المؤمن منه على الكافر كما قال تعالى: فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير {74 9ـ10} اهـ. وقد ذكر هذين الوجهين صاحب الإتقان.

ونوصيك بعدم الخوض في هذه الأمور من الغيبيات إلا بعلم، فإن الخوض في هذه الأبواب مخطرة عظيمة، ومن هنا ندرك معنى ما نقل عن ابن عباس وسعيد بن المسيب من قولهم السابق: لا أدري.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة