ما يلزم العامي إذا اختلفت عليه أقوال العلماء ولم يدر أيها أرجح

0 770

السؤال

جزاكم الله خيرا كنت قد أرسلت سؤالا برقم 2330474 ونصه:
إذا اختلف أهل العلم في مسألة ما وكان الخلاف معتبرا عندهم وكلا القولين له وجاهة، والذي أعلمه - ولتصححوا لي إن كان خطأ- أن المسلم يستمع إلى أدلة الطرفين، وله أن يأخذ بما اطمأن إليه قلبه. والسؤال :
1- ماذا إذا احتار المسلم في أي الرأيين أصح وقد استمع إلى الأدلة الشرعية ولم يستقر له رأي في أيهما أصح فهل له أن يأخذ بالأيسر طالما لم يتثبت عنده الراجح. 2-إذا حاسبه الله سبحانه في الآخرة ماذا إذا كان الرأي الذي عمل به مرجوحا وليس بصحيح فهل عليه من عقوبة؟
وقد جاءت الإجابة بناء على فتوى سابقة في الموقع ليست لها علاقة بسؤالي نهائيا، وإن تشابه السؤالان للوهلة الاولى. الرجاء الإجابة عن سؤالي تفصيليا وآسف للازعاج. وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمن كان متأهلا للاجتهاد والنظر في الأدلة ففرضه أن يجتهد حسب استطاعته ويعمل بما أداه إليه اجتهاده، ومن كان عاميا غير قادر على الاجتهاد فاختلف العلماء في الواجب عليه، والمرجح عندنا أنه يقلد أوثق الناس في نفسه، وانظر لما يفعله العامي إذا اختلفت عليه الفتيا الفتوى رقم: 120640، فإذا تكافأت الأدلة لدى المجتهد أو استوى العلماء عند العامي فقد اختلف العلماء في الواجب عليه حينئذ، فقيل يتبع الأشد لكونه أحوط ولحصول براءة الذمة به بيقين، وقيل يأخذ بأي الأقوال شاء ما لم يقصد تتبع الرخص، وقيل يأخذ بالأيسر لكون الشريعة مبنية على التخفيف.

قال الطوفي رحمه الله في شرح مختصر الروضة: قوله: فإن استويا عنده ، أي: إن استوى المجتهدان عند المستفتي في الفضيلة، واختلفا عليه في الجواب، ففيه ثلاثة أقوال: أحدها: يتبع أيهما شاء مخيرا لعدم المرجح. الثاني: يأخذ بأشد القولين، لأن الحق ثقيل مري والباطل خفيف وبي ، كما يروى في الأثر. وفي الحكمة: إذا ترددت بين أمرين، فاجتنب أقربهما من هواك. وروى الترمذي من حديث عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أشدهما وفي لفظ: أرشدهما. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، ورواه أيضا النسائي وابن ماجه. فثبت بهذين اللفظين للحديث أن الرشد في الأخذ بالأشد. الثالث: يأخذ بأخف القولين لعموم النصوص الدالة على التخفيف في الشريعة، كقوله - عز وجل -: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر. انتهى.

وحكى العلامة ابن عثيمين هذه الأقوال ورجح أنه يأخذ بالأيسر في هذه الحال.

قال رحمه الله: مسائل العلم يجب على الإنسان أن يتبع من يرى أنه أقرب إلى الصواب إما لغزارة علمه وإما لثقته وأمانته ودينه. فإن لم يعلم أيهما أرجح في ذلك فقد قال بعض أهل العلم إنه يخير إن شاء أخذ بقول هذا وإن شاء أخذ بقول هذا، وقال بعض العلماء يأخذ بما هو أحوط أي بالأشد احتياطا وإبراء للذمة، وقال بعض العلماء يأخذ بما هو أيسر لأن ذلك أوفق للشريعة إذ أن الدين الإسلامي يسر كما قال الله تبارك تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وكما قال تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وكما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الدين يسر) وكما قال وهو يبعث البعوث: (يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) أي أنه إذا اختلفت آراء العلماء عندك وليس عندك ترجيح فإنك تأخذ بالأيسر لهذه الأدلة ولأن الأصل براءة الذمة، ولو ألزمنا الإنسان بالأشد للزم من ذلك إشغال ذمته والأصل عدم ذلك وهذا القول أرجح عندي أي أن العلماء إذا اختلفوا على قولين وتكافأت الأدلة عندك في ترجيح أحد القولين فإنك تأخذ بالأيسر منهما، وهذا أعني القول بالأخذ بالأيسر فيما يتعلق بنفس الإنسان أما إذا كان يترتب على ذلك مفسدة فإنه يمتنع من إظهار ذلك وإعلانه... وعلى هذا فنقول: القول الصحيح أن نأخذ بالأيسر ما لم يتضمن ذلك مفسدة فإن تضمن ذلك مفسدة فليأخذ بالأيسر في حق نفسه فقط. انتهى.

وإذا اتبع الإنسان هذا القول وهو اتباع الأيسر عند عدم وضوح الأدلة وتكافئها أو اختلاف المفتين الثقات عليه فإنه لا حرج عليه في ذلك ولا يكون مؤاخذا يوم القيامة وذلك لأنه فعل ما يقدر عليه واتقى الله ما استطاع. ولو فرض أن القول الذي اتبعه كان خطأ في نفس الأمر فإن المخطئ معذور غير مؤاخذ، قال تعالى: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا. قال الله في جوابها: قد فعلت. رواه مسلم. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المجتهد المصيب له أجران والمخطئ له أجر. فمن اتبع ما أداه إليه اجتهاده إن كان من أهل الاجتهاد أو قلد العلماء الثقات إن كان عاميا فقد برئت ذمته وفعل ما يلزمه شرعا فلا تبعة عليه يوم القيامة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة