أدلة وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير

0 385

السؤال

اختلف العلماء في حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد في الصلاة على أقوال، فمنهم من قال بأنها ركن لا تصح الصلاة إلا بها، ومنهم من قال بوجوبها، والقول الثالث: أنها سنة مستحبة، وليست بواجبة .
وقد رجح الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله القول الثالث ، فقال في شرح "زاد المستقنع: قوله : والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه " أي : في التشهد الأخير ، وهذا هو الركن الثاني عشر من أركان الصلاة .
ودليل ذلك : أن الصحابة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ؛ علمنا كيف نسلم عليك ، فكيف نصلي عليك ؟ قال : قولوا : ( اللهم صل على محمد ، وعلى آل محمد ) ، والأمر يقتضي الوجوب ، والأصل في الوجوب أنه فرض إذا ترك بطلت العبادة، هكذا قرر الفقهاء رحمهم الله دليل هذه المسألة .
ولكن إذا تأملت هذا الحديث لم يتبين لك منه أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ركن، لأن الصحابة إنما طلبوا معرفة الكيفية ؛ كيف نصلي ؟ فأرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إليها ، ولهذا نقول : إن الأمر في قوله : ( قولوا ) ليس للوجوب، ولكن للإرشاد والتعليم، فإن وجد دليل غير هذا يأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فعليه الاعتماد، وإن لم يوجد إلا هذا فإنه لا يدل على الوجوب ، فضلا عن أن يدل على أنها ركن ؛ ولهذا اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال :
القول الأول : أنها ركن ، وهو المشهور من المذهب ، فلا تصح الصلاة بدونها .
القول الثاني : أنها واجب ، وليست بركن ، فتجبر بسجود السهو عند النسيان .
قالوا : لأن قوله : ( قولوا : اللهم صل على محمد ) محتمل للإيجاب وللإرشاد ، ولا يمكن أن نجعله ركنا لا تصح الصلاة إلا به مع هذا الاحتمال .
القول الثالث : أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سنة ، وليست بواجب ولا ركن ، وهو رواية عن الإمام أحمد ، وأن الإنسان لو تعمد تركها فصلاته صحيحة ؛ لأن الأدلة التي استدل بها الموجبون ، أو الذين جعلوها ركنا ليست ظاهرة على ما ذهبوا إليه، والأصل براءة الذمة .
وهذا القول أرجح الأقوال إذا لم يكن سوى هذا الدليل الذي استدل به الفقهاء رحمهم الله، فإنه لا يمكن أن نبطل العبادة ونفسدها بدليل يحتمل أن يكون المراد به الإيجاب ، أو الإرشاد . " الشرح الممتع.
و السؤال هو: هل هناك غير هذا الدليل الذي استدل به الفقهاء ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلم نطلع على دليل للقول بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد غيرالدليل المذكور، وهو أمره صلى الله عليه وسلم لما سألوه كيف نصلي عليك فقال: قولوا اللهم صل على محمد . ونص الحديث   : عن أبي محمد كعب بن عجرة - رضي الله عنه - ، قال : خرج علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقلنا : يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك ، فكيف نصلي عليك ؟ قال : قولوا : اللهم صل على محمد ، وعلى آل محمد ، كما صليت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد . اللهم بارك على محمد ، وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد.  متفق عليه. 

 غير أن النووي رحمه الله تعالى ذكر بعض زيادات في الحديث المستدل به تقوي ما استدل به الفقهاء رحمهم الله تعالى على الوجوب.

قال في شرح صحيح مسلم: اعلم أن العلماء اختلفوا في وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عقب التشهد الأخير في الصلاة. فذهب أبو حنيفة ومالك رحمهما الله تعالى والجماهير إلى أنها سنة لو تركت صحت الصلاة، وذهب الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى إلى أنها واجبة لو تركت لم تصح الصلاة. وهو مروي عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهما وهو قول الشعبي ... وفي الاستدلال لوجوبها خفاء، وأصحابنا يحتجون بحديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه المذكور هنا أنهم قالوا كيف نصلي عليك يا رسول الله فقال: قولوا اللهم صل على محمد إلى آخره. قالوا والأمر للوجوب وهذا القدر لا يظهر الاستدلال به إلا إذا ضم إليه الرواية الأخرى كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا فقال صلى الله عليه و سلم: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد إلى آخره. وهذه الزيادة صحيحة رواها الإمامان الحافظان أبو حاتم بن حبان ، والحاكم أبو عبد الله في صحيحيهما قال الحاكم هي زيادة صحيحة واحتج لها أبو حاتم وأبو عبد الله أيضا في صحيحيهما بما روياه عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى رجلا يصلي لم يحمد الله ولم يمجده ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عجل هذا، ثم دعاه النبي صلى الله عليه و سلم فقال إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد ربه والثناء عليه وليصل على النبي صلى الله عليه و سلم وليدع ما شاء. قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم وهذان الحديثان وإن اشتملا على ما لا يجب بالإجماع كالصلاة على الآل والذرية والدعاء فلا يمتنع الاحتجاج بهما فإن الأمر للوجوب فإذا خرج بعض ما يتناوله الأمر عن الوجوب بدليل بقي الباقي على الوجوب والله أعلم. والواجب عند أصحابنا اللهم صل على محمد .انتهى.

 والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة