هل يصح تسمية صفات الله تعالى بأنها جواهر أو أعراض

0 321

السؤال

شيخنا الفاضل, عندي سؤال بخصوص صفات الله ـ عز وجل ـ هل هي جواهر أم أعراض ؟
وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فلا يقول أحد من أهل الإسلام البتة إن صفات الرب تعالى جواهر قائمة به أو بنفسها، جل الله وتعالى وتقدس، وإنما تقول ذلك النصارى الزاعمون أن المسيح إله من إله وأنه صفة الرب فهو قديم كقدم الرب، تعالى الله عما يقول الظالمون المفترون علوا كبيرا، وقد ذهب قوم من المنتسبين إلى الإسلام إلى نفي الصفات، زاعمين أن إثباتها يستلزم تصحيح قول النصارى، وهذا باطل قطعا.

يقول شيخ الإسلام رحمه الله: فإنهم -يعني النصارى- أثبتوا لله صفات جعلوها جوهرا قائما بنفسه، وقالوا: إن الله موجود حي ناطق، ثم قالوا حياته جوهر قائم بنفسه، ونطقه - وهو الكلمة - جوهر قائم بنفسه وقالوا في هذا: إنه إله من إله، وهذا إله من إله، فأثبتوا صفات لله وجعلوها جواهر قائمة بنفسها، ثم قالوا: الجميع جوهر، فكان في كلامهم أمور كثيرة من الباطل المتناقض. منهم من جعل الصفات جوهرا. ومنهم من جعل الجواهر المتعددة جوهرا واحدا. والذين قالوا من نفاة الصفات المعتزلة والجهمية: إن من أثبت الصفات فقد قال بقول النصارى، هو متوجه على من جعل الصفات جواهر. وهؤلاء هم النصارى يزعمون أن الصفات جواهر آلهة، ثم قال هؤلاء: ولا إله إلا الله، فلا صفة له. وقالت النصارى: بل الأب جوهر إله، والابن جوهر إله، وروح القدس جوهر إله، ثم قالوا: والجميع إله واحد. ونفس تصور هذه الأقوال - التصور التام - يوجب العلم بفسادها. وأما الرسل وأتباعهم فنطقوا أن لله علما وقدرة وغير ذلك من الصفات، وثبتوا أن الإله إله واحد. فإذا قال القائل: عبدت الله ودعوت الله؛ فإنما دعا وعبد إلها واحدا؛ وهو ذات متصفة بصفات الكمال، لم يعبد ذاتا لا حياة لها ولا علم ولا قدرة، ولا عبد ثلاثة آلهة ولا ثلاثة جواهر، بل نفس اسم الله يتضمن ذاته المقدسة المتصفة بصفاته - سبحانه - وليست صفاته خارجة عن مسمى اسمه، ولا زائدة على مسمى اسمه. انتهى كلامه عليه الرحمة.

وأما هل تسمى صفات الرب أعراضا أو لا؟ فأهل التحقيق قالوا إن هذا اللفظ محدث لم ينطق به الكتاب والسنة، ومن ثم فنحن لا نتكلم به ولا نثبته ولا ننفيه، وإنما نستفصل القائل عن مراده بالأعراض. فإن ذكر معنى حقا قبل وإن ذكر معنى باطلا رد، كما يفعلون في مثل ذلك من الألفاظ المجملة كالحيز والجسم والجهة ونحوها.

قال الشيخ رحمه الله في درء التعارض: وما تنازع فيه الأمة من الألفاظ المجملة كلفظ التحيز والجهة، والجسم، والجوهر، والعرض وأمثال ذلك، فليس على أحد أن يقبل مسمى اسم من هذه الأسماء، لا في النفي ولا في الإثبات، حتى يتبين له معناه، فإن كان المتكلم بذلك أراد معنى صحيحا، موافقا لقول المعصوم كان ما أراده حقا، وإن كان أراد به معنى مخالفا لقول المعصوم كان ما أراده باطلا. ثم يبقى النظر في إطلاق ذلك اللفظ ونفيه، وهي مسألة فقهية، فقد يكون المعنى صحيحا ويمتنع من إطلاق اللفظ لما فيه من مفسدة، وقد يكون اللفظ مشروعا ولكن المعنى الذي أراده المتكلم باطل، كما قال علي رضي الله عنه ـ لمن قال من الخوارج المارقين لا حكم إلا لله ـ: كلمة حق أريد بها باطل. انتهى.

وبه يتبين لك أن صفات الرب تعالى هي صفاته وأنها ليست جواهر جل الله وتنزه وتقدس، وأننا لا نسميها أعراضا وإنما نستفصل القائل بالعرض ما يريد به فإن أراد معنى حقا قبلناه وإلا رددناه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة