هل يكفر من جالس سابا لدين الله تعالى

0 383

السؤال

قوله تعالى: (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره)
هل يفهم منه كفر من جالس ساب الدين ولم ينكر ولم يقم دون عذر ؟
في مجتمعنا تفشت ظاهرة سب الدين ، فإذا أريد سب شخص ما قيل : يلعن دينه والعياذ بالله. فهل إذا قيلت هذه العبارة في مجلس ثم استمر الكلام بعدها يكون القائل قد خاض في حديث غيره وجازت مجالسته أو لا ؟
وهل يجوز الاستمرار مجالسة هذا الساب مع نية الإنكار والبيان في نهاية المجلس ؟
وجزاكم الله خيرا .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فمجرد حضور مجلس من المجالس المذكورة في قوله تعالى: وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم. { النساء: 140 }.

لا يخرج العبد من الملة هكذا بإطلاق، فإن هذا إنما يكون مع الرضا بقولهم وإقرارهم عليه، فالمثلية المذكورة في الآية لها درجات متفاوتة.

قال ابن عاشور في (التحرير والتنوير): هذه المماثلة لهم خارجة مخرج التغليظ والتهديد والتخويف، ولا يصير المؤمن منافقا بجلوسه إلى المنافقين، وأريد المماثلة في المعصية لا في مقدارها، أي أنكم تصيرون مثلهم في التلبس بالمعاصي. اهـ.

وقال الطبري: يعني فأنتم إن لم تقوموا عنهم في تلك الحال، مثلهم في فعلهم، لأنكم قد عصيتم الله بجلوسكم معهم وأنتم تسمعون آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها، كما عصوه باستهزائهم بآيات الله. فقد أتيتم من معصية الله نحو الذي أتوه منها، فأنتم إذا مثلهم في ركوبكم معصية الله، وإتيانكم ما نهاكم الله عنه. اهـ.

وقال ابن كثير: { إنكم إذا مثلهم } أي في المأثم، كما جاء في الحديث: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر. اهـ.

وعلى ذلك، فمجرد السكوت عن الإنكار، ليس كفرا مخرجا من الملة، وإن كان صاحبه آثما لتركه الإنكار مع القدرة.

وأما الرضا بذلك، فهو كفر بلا شك، ولا يخفى أن مثل حال السائل  ليس كذلك، فهو ينوي الإنكار والبيان في نهاية المجلس، وأما التأخير للإنكار حتى ينتهي المجلس فلا يسوغ ممن يستطيع الإنكار مباشرة، فالنهي عن المنكر في وقته متعين وفي التأخير يخشى فوت المسألة وربما انصرف بعض الحاضرين، وفي آية الأنعام أرشد الله تعالى لتذكير الواقع في المنكر ونصحه لعله يتقي الله تعالى  فإن الله تعالى لما قال: وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين {الأنعام: 68}. قال بعدها: وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون {الأنعام 69}.

قال السعدي: هذا النهي والتحريم لمن جلس معهم ولم يستعمل تقوى الله، بأن كان يشاركهم في القول والعمل المحرم، أو يسكت عنهم وعن الإنكار، فإن استعمل تقوى الله تعالى بأن كان يأمرهم بالخير وينهاهم عن الشر والكلام الذي يصدر منهم، فيترتب على ذلك زوال الشر أو تخفيفه، فهذا ليس عليه حرج ولا إثم، ولهذا قال: {وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون } أي: ولكن ليذكرهم، ويعظهم لعلهم يتقون الله تعالى. اهـ.

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الدين النصيحة، وكان يبايع أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ على ذلك، كما قال جرير البجلي: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم. متفق عليه.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.

وإذا استمر الكلام بعد السب في موضوع آخرمباح  فإنه  يكون القائل قد خاض في حديث غيره وجازت مجالسته.

قال السعدي:{ حتى يخوضوا في حديث غيره } أي: غير الكفر بآيات الله والاستهزاء بها. اهـ

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة