تفاوت الناس في الأرزاق والنعم وراءه حكم جليلة

0 473

السؤال

أريد أن أعرف كيفية العدل في الرزق وغيرها من الأشياء بين الناس وأن كل الناس في النهاية متساوون حتى يطمئن قلبي؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فاعلم أخي حفظك الله ووفقك، وصرف عنك كيد الشيطان وشبهاته أن الله تعالى هو الذي خلق هذا الإنسان وأوجده من العدم، وأسبغ عليه النعم ظاهرة وباطنة، قال تعالى: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم) [النحل:18]
ولو تأمل الإنسان في نعم الله لعلم وأيقن أن الفضل كله بيد الله ومن الله، ونمثل ببعض النعم التي أذهب الإلف الإحساس بها:
فنعمة اللسان من النعم العظيمة فبه يذوق الإنسان، وبه يقلب الطعام، وبه يتكلم. وقد امتن الله بنعمة اللسان ونعمة البيان، أما نعمة اللسان فقال الله تعالى: (ألم نجعل له عينين * ولسانا وشفتين) [البلد:8-9]. وأما نعمة البيان فيقول الله تعالى: (خلق الأنسان * علمه البيان) [الرحمن:4].
ولو نظر العبد نظر تأمل لوجد الحيوانات من حوله تملك ألسنة أكبر وأضخم من لسانه، ولكنها لا تملك البيان، فمن أعطاك القدرة على البيان ولم يعطها لغيرك؟!.
وأما نعمة العقل فما أعظمها من نعمة، فالعقل به يفكر الإنسان ويزن الأمور، ويدرك الأحداث ويخترع ويبتكر، وما الحضارة التي يعيشها الناس اليوم إلا ثمرة واحدة من ثمار نعمة العقل، والحيوانات التي هي سابقة للإنسان من حيث الوجود على سطح هذه الأرض ما زالت تعيش حياتها كما وجدت أول مرة، فالطائر ينسج عشه، والضب يدخل جحره وهكذا، والإنسان بنى العمارات وناطحات السحاب، وصنع الطائرات والسفن وغير ذلك مما هو مشاهد معلوم، فهل رجع الإنسان إلى نفسه وشكر ربه على هذه النعم؟!!.
والعجب أن هذا الإنسان الذي لا يملك من أمر نفسه قليلا ولا كثيرا، بل هو مملوك لله تعالى ينصرف عن شكر هذه النعم، ثم يحتج على الله بأنه لم يعطه كذا، فهل يجب على الله ذلك؟!!.
وللجواب عن هذا نضرب مثلا بسيطا، ولله المثل الأعلى:
لو أن رجلا غنيا كريما أعطى هذا الفقير مالا، وأعطى الآخر سيارة، وأعطى الثالث بيتا، فهل يقول عاقل بأن الغني تلزمه التسوية بين الناس؛ وإلا كان ظالما؟.
فالله جل وعلا تفضل على عباده بنعم لا تحصى، ثم فاوت بينهم في الرزق لحكم عظيمة، جهلها كثير ممن لم تتنور بصائرهم بنور الوحي، ومن هذه الحكم ما يلي:
أولا: لو كان الناس على مستوى واحد في رزقهم وإمكاناتهم لما قامت الحياة ودار دولابها، ولتعطلت كثير من الأعمال، وقد أشار الله سبحانه إلى هذه الحكمة بقوله تعالى: (أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون) [الزخرف:32].
قال السدي وابن زيد: يسخر الأغنياء الفقراء فيكون بعضهم سببا لمعاش بعض.
ثانيا: الابتلاء والاختبار، ليظهر الشاكر من الكافر، والصادق من الكاذب، فالغني مبتلى بالغنى، والفقير مبتلى بالفقر. أما الغني فهل يؤدي شكر نعمة الله عليه وينفق المال وفق أمر الله له؟ وأما الفقير فهل يصبر ويحمد الله على ما هو فيه دون حسد لغيره وتضجر من قدر الله وحكمته؟ وبذلك ترفع درجتهما إن صبرا، ويعذب من سخط منهما ولم يرض بقسمة الله.
ثالثا: أن الله تعالى يعطي ويمنع بما يصلح عباده، قال تعالى: (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير) [الشورى:27].
وقد استشهد الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية بالحديث الذي أخرجه الطبراني والديلمي في الفردوس وأبو نعيم في الحلية من حديث أنس وعمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه قال: "أتاني جبريل، فقال: يا محمد، ربك يقرأ عليك السلام، ويقول: إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالغنى ولو أفقرته لكفر، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا القلة ولو أغنيته لكفر، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالسقم ولو أصححته لكفر، وإن من عبادي من لا يصح إيمانه إلا بالصحة ولو أسقمته لكفر"، والحديث وإن كان ضعيفا وأورده ابن الجوزي في العلل إلا أن معناه صحيح، ولذا أورده الإمام ابن كثير ولم يعلق عليه، وكذا أورده شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته المسماة بقاعدة في المحبة.
ومن لم يفهم هذه الحقائق فلأمرين:
الأول: اعتبار أن الغنى من إكرام الله للعبد والفقر من إهانة الله للعبد، وقد رد الله هذا الظن الخاطئ بقوله تعالى: (فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن * وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن) [الفجر:15-16]، وقال تعالى: (وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا) [سـبأ:37].
وبين النبي صلى الله عليه وسلم المعيار الصحيح للمفاضلة عند الله بقوله: "يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى" رواه أحمد.
وكم من صاحب مهنة دنيئة متصف بالإيمان والتقوى أرفع وأحب وأعز عند الله من صاحب جاه وسلطان ومال وهو معرض عن الله تعالى.
الثاني: أنه نظر إلى الدنيا مفصولة عن الآخرة فنظر إلى الظالم ولم ينظر إلى الاقتصاص منه، ونظر إلى المظلوم ولم ينظر إلى الاقتصاص له، وهكذا.
ولو أيقن بيوم القيامة ودار الجزاء لعاين الحق وظهر الأمر. قال تعالى: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون * وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون) [الجاثـية:21-22].
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات