الفرق بين الذنوب والسيئات، وبين المغفرة والتكفير.

0 280

السؤال

توجد سيئات وتكفير سيئات، فمثل ماذا السيئات؟ وتوجد ذنوب وغفران ذنوب ، مثل ماذا الذنوب؟
فهل يوجد للحسنات مراتب، وماذا على المسلم أن يفعل لكل مرتبة ليكون له حسنة أفضل ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فأما الفرق بين الذنوب والسيئات، وبين المغفرة والتكفير، فقد بينه العلامة ابن القيم رحمه الله بيانا شافيا فقال في شرح منازل السائرين: [فصل في الفرق بين تكفير السيئات ومغفرة الذنوب] وقد جاء في كتاب الله تعالى ذكرهما مقترنين، وذكر كلا منهما منفردا عن الآخر، فالمقترنان كقوله تعالى حاكيا عن عباده المؤمنين: {ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار} [آل عمران: 193] والمنفرد كقوله: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم} [محمد: 2] وقوله في المغفرة: {ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم} [محمد: 15] وكقوله: {ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا} [آل عمران: 147]. ونظائره. فها هنا أربعة أمور: ذنوب، وسيئات، ومغفرة، وتكفير. فالذنوب: المراد بها الكبائر، والمراد بالسيئات: الصغائر، وهي ما تعمل فيه الكفارة، من الخطأ وما جرى مجراه، ولهذا جعل لها التكفير، ومنه أخذت الكفارة، ولهذا لم يكن لها سلطان ولا عمل في الكبائر في أصح القولين، فلا تعمل في قتل العمد، ولا في اليمين الغموس في ظاهر مذهب أحمد وأبي حنيفة. والدليل على أن السيئات هي الصغائر والتكفير لها قوله تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما}. [النساء: 31]. وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر . ولفظ المغفرة أكمل من لفظ التكفير ولهذا كان من الكبائر، والتكفير مع الصغائر، فإن لفظ المغفرة يتضمن الوقاية والحفظ، ولفظ التكفير يتضمن الستر والإزالة، وعند الإفراد يدخل كل منهما في الآخر كما تقدم، فقوله تعالى: {كفر عنهم سيئاتهم} [محمد: 2]. يتناول صغائرها وكبائرها، ومحوها ووقاية شرها، بل التكفير المفرد يتناول أسوأ الأعمال، كما قال تعالى: {ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا} [الزمر: 35] . انتهى.

وحاصله أن السيئات والذنوب لفظان إذا اجتمعا في اللفظ افترقا في المعنى، واختص لفظ الذنوب بالكبائر والسيئات بالصغائر، وإذا افترقا اجتمعا فدخل كل منهما في الآخر. وأما الحسنات فلا شك في  أنها مراتب متفاوتة، فهناك الواجب والمستحب، والواجبات تتفاوت فيما بينها وكذا المستحبات، والمسلم يتبع أحسن ما أنزل إليه من ربه تعالى، ويفعل ما افترضه الله عليه ولا يقصر في شيء منه، فإنه لم يتقرب إلى الله تعالى أحد بمثل أداء ما افترضه عليه، ثم يكثر من النوافل ويجتهد في أداء ما قدر عليه منها، فإن العبد لا يزال يتقرب إلى الله تعالى بالنوافل حتى يحبه الله تعالى، وإذا تعارضت عنده عبادتان قدم أرجحهما وأولاهما بنيل مرضات الله تعالى، فإن الاشتغال بالمفضول عن الفاضل من العقبات التي يصيد فيها الشيطان بني آدم ليحول بينهم وبين كمال مصلحتهم. وقد بين ابن القيم رحمه الله هذه العقبة بقوله: العقبة السادسة: وهي عقبة الأعمال المرجوحة المفضولة من الطاعات، فأمره بها، وحسنها في عينه، وزينها له، وأراه ما فيها من الفضل والربح، ليشغله بها عما هو أفضل منها، وأعظم كسبا وربحا، لأنه لما عجز عن تخسيره أصل الثواب، طمع في تخسيره كماله وفضله، ودرجاته العالية، فشغله بالمفضول عن الفاضل، وبالمرجوح عن الراجح، وبالمحبوب لله عن الأحب إليه، وبالمرضي عن الأرضى له. ولكن أين أصحاب هذه العقبة؟ فهم الأفراد في العالم، والأكثرون قد ظفر بهم في العقبات الأول. فإن نجا منها بفقه في الأعمال ومراتبها عند الله، ومنازلها في الفضل، ومعرفة مقاديرها، والتمييز بين عاليها وسافلها، ومفضولها وفاضلها، ورئيسها ومرءوسها، وسيدها ومسودها، فإن في الأعمال والأقوال سيدا ومسودا، ورئيسا ومرءوسا، وذروة وما دونها، كما في الحديث الصحيح: سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت الحديث، وفي الحديث الآخر الجهاد ذروة سنام الأمر وفي الأثر الآخر: " إن الأعمال تفاخرت " فذكر كل عمل منها مرتبته وفضله، وكان للصدقة مزية في الفخر عليهن، ولا يقطع هذه العقبة إلا أهل البصائر والصدق من أولي العلم، السائرين على جادة التوفيق، قد أنزلوا الأعمال منازلها، وأعطوا كل ذي حق حقه. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات