الفرق بين المجادلة المذمومة والمحمودة

0 302

السؤال

كيف أجمع بين: طوبي لمن ترك الجدال وإن كان محقا ـ وبين الاستماتة في إظهار الحق من خلال المناقشة مع الطرف الآخر لتعديل مفاهيم خاطئة أو إظهار حقيقة أو رد الظلم عن شخص غائب أو غيره؟ فبعض هذه المناقشات تحتاج الكثير من الوقت والجهد والسجال في النقاش، فهل هذا جدل يجب الكف عنه؟ أم ماذا؟ وما البديل؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالجدال على نوعين، جدال لإظهار الحق ودحض الباطل حيث يرجى نفعه وتؤمن آفته، وهو الجدال المحمود، وجدال بالباطل أو بغير علم أو حيث لا يرجى نفعه أو تكون مفسدته أعظم من مصلحته فهو جدال مذموم، ولتنظر الفتوى رقم: 179419.

قال في فيض القدير: وقد ورد الترغيب في ترك المخاصمة ففي أبي داود عن أبي أمامة رفعه: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وأبغض العباد إلى الله تعالى الألد الخصم ـ كما في الصحيحين، ولهذا قال داود لابنه: يا بني إياك والمراء فإن نفعه قليل وهو يهيج العداوة بين الإخوان قال بعضهم: ما رأيت شيئا أذهب للدين ولا أنقص للمروءة ولا أضيع للذة ولا أشغل للقلب من المخاصمة، فإن قيل لا بد من الخصومة لاستيفاء الحقوق فالجواب ما قال الغزالي: أن الذم المتأكد إنما هو خاص بباطل أو بغير علم... وقال بعض العارفين: إذا رأيت الرجل لجوجا مرائيا معجبا برأيه فقد تمت خسارته. انتهى.

وفي موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين: وحد المراء هو كل اعتراض على كلام الغير بإظهار خلل فيه، إما في اللفظ، وإما في المعنى، وإما في قصد المتكلم، وترك المراء بترك الإنكار والاعتراض، فكل كلام سمعته فإن كان حقا فصدق به، وإن كان باطلا أو كذبا ولم يكن متعلقا بأمور الدين فاسكت عنه، والواجب إن جرى الجدل في مسألة علمية السكوت أو السؤال في معرض الاستفادة، لا على وجه العناد والنكادة، أو التلطف في التعريف لا في معرض الطعن، وأما قصد إفحام الغير وتعجيزه وتنقيصه بالقدح في كلامه ونسبته إلى القصور والجهل فيه، فهي المجادلة المحظورة التي لا نجاة من إثمها إلا بالسكوت، وما الباعث عليها إلا الترفع بإظهار العلم والفضل، والتهجم على الغير بإظهار نقصه، وهما صفتان مهلكتان، ولا تنفك المماراة عن الإيذاء، وتهييج الغضب، وحمل المعترض عليه على أن يعود فينصر كلامه بما يمكنه من حق أو باطل، ويقدح في قائله بكل ما يتصور له، فيثور الشجار بين المتماريين، وأما علاجه فهو بأن يكسر الكبر الباعث له على إظهار فضله، والسبعية الباعثة له على تنقيص غيره. انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: المجادلة والمناظرة نوعان:

النوع الأول: مجادلة مماراة: يماري بذلك السفهاء ويجاري العلماء ويريد أن ينتصر قوله، فهذه مذمومة.

النوع الثاني: مجادلة لإثبات الحق وإن كان عليه، فهذه محمودة مأمور بها، وعلامة ذلك ـ أي المجادلة الحقة ـ أن الإنسان إذا بان له الحق اقتنع وأعلن الرجوع... فالحاصل أن المجادلة إذا كان المقصود بها إثبات الحق وإبطال الباطل فهي خير، وتعودها وتعلمها خير لا سيما في وقتنا هذا، فإنه كثر فيه الجدال والمراء، حتى إن الشيء يكون ثابتا وظاهرا في القرآن والسنة فيورد عليه إشكالات. انتهى.

والخلاصة أن الجدال إذا كان بقصد إظهار الحق ورد الباطل واتبع فيه المجادل الأسلوب الأمثل فكان جداله بالتي هي أحسن وكانت مصلحة الجدال راجحة على مفسدته وأمن المجادل العجب ونحوه من الآفات فجداله محمود، وأما ما كان من الجدال فيما لا ينفع أو كان قصد صاحبه العلو والغلبة أو كان بالمخاشنة والفظاظة لا على الوجه المأمور به أو خشي ترتب مفسدة راجحة على مصلحته فهو جدال مذموم، وبذا يزول الإشكال.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة