مذاهب العلماء في صلاة الظهر جماعة لمن فاتته الجمعة

0 281

السؤال

أتت مجموعة بعد انتهاء صلاة الجمعة في المسجد وصلوا الظهر جماعة، فما حكم ذلك؟ نريد منكم رأى المذاهب الأربعة مفصلا، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإذا كان هؤلاء ممن تجب عليهم الجمعة ولم يكن بإمكانهم إدراك الجمعة في مسجد آخر في المدينة ففرضهم حينئذ ما قاموا به من صلاة الظهر بدلا عن الجمعة اتفاقا، وأولى إذا كانوا ممن لا تجب عليهم الجمعة كالمسافرين، لكن من أهل العلم من يرى كراهة صلاتهم جماعة في المسجد الذي أقيمت به الجمعة وهو الصحيح في المذهب الحنبلي، ومنهم من يرى كراهة الجماعة في حال ما إذا لم يأمنوا من أن ينسبوا إلى مخالفة الإمام والرغبة عن الصلاة معه وإلا فلا كراهة حينئذ، بل يسن لهم ذلك، لكن عليهم إخفاؤها إذا لم يكن لهم عذر ظاهر وإلا فلا بأس بإظهارالجماعة، لكن كراهة صلاة الجماعة لا تعني عدم صحة الصلاة، قال ابن قدامة في المغني:  ولا يكره لمن فاتته الجمعة، أو لم يكن من أهل فرضها أن يصلي الظهر في جماعة إذا أمن أن ينسب إلى مخالفة الإمام، والرغبة عن الصلاة معه، أو أنه يرى الإعادة إذا صلى معه، فعل ذلك ابن مسعود، وأبو ذر، والحسن بن عبيد الله، وإياس بن معاوية، وهو قول الأعمش، والشافعي وإسحاق، وكرهه الحسن، وأبو قلابة، ومالك، وأبو حنيفة، لأن زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخل من معذورين فلم ينقل أنهم صلوا جماعة. ..إلى أن قال: إذا ثبت هذا، فإنه لا يستحب إعادتها جماعة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في مسجد تكره إعادة الجماعة فيه، وتكره أيضا في المسجد الذي أقيمت فيه الجمعة، لأنه يفضي إلى النسبة إلى الرغبة عن الجمعة أو أنه لا يرى الصلاة خلف الإمام، أو يعيد الصلاة معه فيه، وفيه افتيات على الإمام، وربما أفضى إلى فتنة، أو لخوف ضرر به وبغيره، وإنما يصليها في منزله، أو موضع لا تحصل هذه المفسدة بصلاتها فيه.
انتهى.

وفي الفروع لابن مفلح في الفقه الحنبلي: ولا تكره لمن فاتته أو لمعذور الصلاة جماعة في المصر وفي مكانها وجهان ولم يكرهه أحمد، ذكره القاضي قال: وما كان يكره، قال في تصحيح الفروع: قوله: ولا تكره لمن فاتته أو لمعذور الصلاة جماعة في المصر، وفي مكانها وجهان. انتهى.

قال ابن تميم وابن حمدان في الرعاية الكبرى: ولمن فاتته، أولم تلزمه، أن يصلي الظهر جماعة بأذان وإقامة ما لم يخف فتنة، وهل يكره في موضع صليت فيه الجمعة؟ فيه وجهان :أحدهما يكره، وهو الصحيح، قال في المغني والشرح وشرح ابن رزين وغيرهم: لا يستحب إعادتها في المسجد الذي أقيمت فيه الجمعة، وعللوه بما يقتضي الكراهة والوجه الثاني لا يكره. انتهى.

وفرق المالكية بين من فاتته الجمعة بسبب عذر كثير الوقوع كالمرض والسفر وبين من فاتته لغير عذر أو لعذر نادر فقالوا الأولى الجمع في الحالة الأولى، لكن ينبغي إخفاء الجماعة لئلا يتهموا بالرغبة عن الجمعة، وفي  الحالة الثانية يكره لهم الجمع وإن جمعوا لا يعيدون، ففي الشرح الكبير على مختصر خليل في الفقه المالكي  ممزوجا بنص المختصر: ولا يجمع الظهر من فاتته الجمعة أي لا يصليه جماعة، بل أفذاذا أي يكره جمعه إلا ذو عذر كثير الوقوع كمرض وسجن وسفر فالأولى لهم الجمع ويندب صبرهم إلى فراغ صلاة الجمعة وإخفاء جماعتهم، لئلا يتهموا بالرغبة عن الجمعة.

قال الدسوقي في حاشيته معلقا هنا: احترز بذلك عمن فاتته لعذر يبيح التخلف ويمكن معه حضورها كخوف بيعة الأمير الظالم وعمن فاتته لغير عذر كمن فاتته نسيانا أو عمدا فإنه يكره له الجمع وإذا جمعوا لم يعيدوا على الأظهر خلافا لمن قال بإعادتهم إذا جمعوا كما في بهرام ابن رشد، لأن المنع لم يرجع لأصل الصلاة، وإنما يرجع لوصفها وهو الجمع فهي مجزئة بأصلها مكروهة بوصفها. انتهى. 

وفي حلية العلماء في الفقه الشا فعي: ويستحب لأرباب الأعذار أن يؤخروا فعل الظهر إلى أن تفوت الجمعة ثم يصلونها جماعة، قال أبو حنيفة: يكره لهم فعلها في جماعة، قال الشافعي ـ رحمه الله ـ واجب لهم إخفاؤها، لأن لا يتهموا بالرغبة عن صلاة الإمام، قال أصحابنا: هذا يقتضي أن يكون ذلك في حق من يخفي عذره، فأما من كان عذره ظاهرا فلا يستحب له إخفاؤها، ومن أصحابنا من قال يكره لهم إظهارها بكل حال والمذهب الأول. انتهى. 

 وفي الاختيار لتعليل المختار في الفقه الحنفي أيضا: ويكره لأصحاب الأعذار أن يصلوا الظهر يوم الجمعة جماعة في المصر، لأن فيه إخلالا بالجمعة، فربما يقتدي بهم غيرهم، بخلاف القرى، لأنه لا جمعة عليهم، وقد جرى التوارث في جميع الأمصار والأعصار بغلق المساجد وقت الجمعة مع أنها لا تخلو عن أصحاب الأعذار، ولولا الكراهة لما أغلقوها.
انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة