الرد على الزعم بطهارة المذي

0 271

السؤال

قرأت على موقعكم أن الخلاف في حكم المذي ثابت والراجح نجاسته وذلك في الفتوى رقم: 49152، فكيف ترجحون نجاسة المذي مع أن من قال بطهارته الإمام أحمد في رواية عنه وصححه من أصحابه أبو حفص البرمكي وابن عقيل وأبو الخطاب وغيرهم، وممن نص على هذا ابن خزيمة في صحيحه حيث قال: باب ذكر الدليل على أن الأمر بغسل الفرج ونضحه من المذي أمر ندب وإرشاد، لا أمر فريضة وإيجاب ـ ثم أورد رواية: يكفيك منه الوضوء، وقد قال ابن عباس ـ الملقب بحبر الأمة وترجمان القرآن ـ هو عندي بمنزل البصاق والمخاط، وذكر ابن عقيل نحو هذا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فما أعجب أن تتعجب من ترجيحنا قولا ذهب إليه الجماهير وحكي عليه الإجماع وقامت عليه دلالة النصوص، وكيف يراد منا ترجيح قول في مذهب الحنابلة هجره الحنابلة قبل غيرهم، فأما النصوص، فعن سهل بن حنيف قال: كنت ألقى من المذي شدة وعناء وكنت أكثر منه الاغتسال فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنما يجزيك من ذلك الوضوء، فقلت: يا رسول الله كيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به ثوبك حيث ترى أنه قد أصاب منه. رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.

ورواه الأثرم ولفظه قال: كنت ألقى من المذي عناء فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: يجزيك أن تأخذ حفنة من ماء فترش عليه.

وعن علي بن أبي طالب قال: كنت رجلا مذاء فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر المقداد بن الأسود فسأله، فقال: فيه الوضوء. أخرجاه.

ولمسلم: يغسل ذكره ويتوضأ.

ولأحمد وأبي داود: يغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ.

وعن عبد الله بن سعد قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء يكون بعد الماء، فقال: ذلك من المذي، وكل فحل يمذي، فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك وتوضأ وضوءك للصلاة. رواه أبو داود

فالأمر بغسل الذكر منه ونضح ما يصيب الثياب منه واضح كل الوضوح في كونه نجسا، وأما حكاية الإجماع على نجاسته فقال أبو عمر ابن عبد البر في التمهيد: وأما المذي المعهود المعتاد المتعارف وهو الخارج عند ملاعبة الرجل أهله لما يجده من اللذة أو لطول عزوبة فعلى هذا المعنى خرج السؤال في حديث علي هذا وعليه وقع الجواب وهو موضع إجماع لا خلاف بين المسلمين في إيجاب الوضوء منه وإيجاب غسله لنجاسته. انتهى.

وقال الشوكاني: واتفق العلماء على أن المذي نجس ولم يخالف في ذلك إلا بعض الإمامية. انتهى.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم في المذي: فيه الوضوء ـ فهو إنما دل على أن المذي يجزئ منه الوضوء ولا يوجب الغسل وهو إجماع كما نقله الحافظ وغيره، فأين فيه أنه لا يجب غسل المذي أو تطهير ما أصابه؟ والواجب العمل بجميع ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الرواية عن أحمد في طهارته فليست نصا، بل قال في الإنصاف: وعنه ما يدل على طهارته. انتهى.

وهذه الرواية اختارها أبو الخطاب وقدمها ابن رزين، وأما ابن عقيل فالظاهر أنه قائل بالنجاسة، فالحنابلة لهم في المذي أقوال، والمذهب كما قال في الإنصاف أنه نجس يغسل كسائر النجاسات، والرواية الثانية أنه نجس يكتفى فيه بالنضح، قال المرداوي: واختاره الشيخ تقي الدين، وصححه الناظم، وصاحب تصحيح المحرر، وقال بعض شراح المحرر: صححها ابن عقيل في إشارته، وأطلقهما في المحرر. انتهى.

وأما الأثر المنقول عن حبر الأمة ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ فإنما هو في المني، قال البيهقي في السنن وساق الإسناد إلى ابن عباس أنه قال في المني يصيب الثوب قال: أمطه عنك بعود إذخر، فإنما هو بمنزلة البصاق والمخاط، هذا صحيح، عن ابن عباس من قوله، وقد روي مرفوعا ولا يصح رفعه. انتهى.

والمنقول عن ابن عباس في المذي دال على أنه يرى نجاسته، فروى البيهقي في السنن من طريق سفيان: عن منصور، عن مجاهد، عن مورق، عن ابن عباس، قال: المني والمذي والودي: فالمني منه الغسل، ومن هذين الوضوء، يغسل ذكره، ويتوضأ.

قال البيهقي: وروينا عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر في المذي نحوه.

فأي تثريب علينا إذا رجحنا قولا هذا شأنه، بل الذي نخشاه أن يكون ترجيح القول بطهارته مما لا تسوغ الفتوى به لما رأيت من النص وحكاية الإجماع.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة