التوبة واجبة من جميع المعاصي

0 212

السؤال

أريد أن أعلم ياشيخ ماهي المعاصي التي تجب منها التوبة؟
وكيف لا أرجع للمعصية وأستمر في التوبة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن جميع المعاصي تجب منها التوبة، فعلى العبد أن يتوب توبة عامة مما يسخط الله تعالى.

فقد قال ابن القيم رحمه الله في هذا المعنى: ولا ينجي من هذا إلا توبة عامة، مما يعلم من ذنوبه ومما لا يعلم، فإن ما لا يعلمه العبد من ذنوبه أكثر مما يعلمه، ولا ينفعه في عدم المؤاخذة بها جهله إذا كان متمكنا من العلم، فإنه عاص بترك العلم والعمل، فالمعصية في حقه أشد، وفي صحيح ابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل، فقال أبو بكر: فكيف الخلاص منه يا رسول الله؟ قال: أن تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم . فهذا طلب الاستغفار مما يعلمه الله أنه ذنب، ولا يعلمه العبد. وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو في صلاته: اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت إلهي لا إله إلا أنت وفي الحديث الآخر: اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، خطأه وعمده، سره وعلانيته، أوله وآخره. فهذا التعميم وهذا الشمول لتأتي التوبة على ما علمه العبد من ذنوبه وما لم يعلمه. انتهى.

وقال شيخ الإسلام رحمه الله: الإنسان قد يستحضر ذنوبا فيتوب منها وقد يتوب توبة مطلقة لا يستحضر معها ذنوبه، لكن إذا كانت نيته التوبة العامة فهى تتناول كل ما يراه ذنبا، لأن التوبة العامة تتضمن عزما عاما علي فعل المأمور وترك المحظور، وكذلك تتضمن ندما عاما على كل محظور... إذا عرف ذلك فمن تاب توبة عامة كانت مقتضية لغفران الذنوب كلها وإن لم يستحضر أعيان الذنوب، إلا أن يكون بعض الذنوب لو استحضره لم يتب منه لقوة إرادته إياه أو لاعتقاده أنه حسن ليس قبيحا فما كان لو استحضره لم يتب منه لم يدخل في التوبة بخلاف ما لو كان لو استحضره لتاب منه فإنه يدخل في عموم التوبة. انتهى.

ومن أعظم ما يساعد على التوبة والاستقامة صدق اللجوء الى الله تعالى والاستعانة به، والبحث عن صحبة وبيئة صالحة تعينه على ذلك كما قال العبد الصالح العالم الرباني حينما سأله قاتل المائة نفس: هل له من توبة؟ فقال له: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة، انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء .. الحديث. رواه مسلم.

وقال الله تعالى: يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون * كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون *{العنكبوت:56، 57}

وقال سبحانه: قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب {الزمر: 10}

قال السعدي: { وأرض الله واسعة } إذا منعتم من عبادته في أرض، فهاجروا إلى غيرها، تعبدون فيها ربكم، وتتمكنون من إقامة دينكم. ولما قال: { للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة } كان لبعض النفوس مجال في هذا الموضع، وهو أن النص عام: أنه كل من أحسن فله في الدنيا حسنة، فما بال من آمن في أرض يضطهد فيها ويمتهن، لا يحصل له ذلك ـ دفع هذا الظن بقوله: { وأرض الله واسعة } وهنا بشارة نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك". تشير إليه هذه الآية، وترمي إليه من قريب، وهو أنه تعالى أخبر أن أرضه واسعة، فمهما منعتم من عبادته في موضع فهاجروا إلى غيرها، وهذا عام في كل زمان ومكان، فلا بد أن يكون لكل مهاجر ملجأ من المسلمين يلجأ إليه، وموضع يتمكن من إقامة دينه فيه. اهـ.

وقال الإمام النووي رحمه الله في شرح حديث مسلم الذي ذكرنا سابقا: قال العلماء: في هذا استحباب مفارقة التائب المواضع التي أصاب بها الذنوب، والإخوان المساعدين له على ذلك، ومقاطعتهم ما داموا على حالهم، وأن يستبدل بهم صحبة أهل الخير والصلاح والعلماء والمتعبدين الورعين، ومن يقتدي بهم وينتفع بصحبتهم، وتتأكد بذلك توبته. اهـ. 

وتراجع لمزيد من الفائدة الفتوى رقم:  20811  والفتوى رقم: 22721.
 

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات