الحقوق المادية والحقوق المعنوية

0 2438

السؤال

أنا شاب في 21 من العمر أغار بشدة, وسبب غيرتي أني أرى من بعض الأشخاص تساهلا وتلاعبا بأعراض المسلمين والمسلمات, وتساؤلي الذي يؤرقني - علما أني في ما مضى كنت أستطيع ممارسة الفاحشة, ولكني - بحفظ الله - امتنعت – هو: أن من زنى بمحارم غيره وتلاعب بها في شبابه, ثم بعد سن معين تزوج وتاب هل يسقط عنه حق من هتك أعراضهم - إذا كان لهم حق -؟
وهل ينتهي الأمر بهذه البساطة؟ علما أني قرأت أنه من يزن يزن بأهله, والقصد هنا - حسب ما قرأت - أنه في من أصر على الزنا ولم يتب؛ حيث يكون غافلا عن أهله وعن احتياجاتهم, وحكم الزوجة التي تزني وتحمل ثم تتوب ولا تخبر زوجها؛ لأن الشرع - ولله الحمد - حبب الستر, فهل لزوجها حق؟ علما أني إذا سمعت إحدى هذه القصص لا أستطيع النوم من شدة غيرتي, فأنا لا أرضى أن أهتك عرض أحد, ولا أرضى أن يهتك عرضي, ولو هتك زيد من الناس عرضي فما فائدتي من توبته, أو أن يهتك آخر عرضه؟ علما أنه إذا غصب أو نصب أو احتال عمرو على زيد وأخذ ماله وجب عليه أن يعيده إليه أو يسامحه, وكذلك الغيبة وغيرها, وكلها أهون من هتك العرض, فهل في علمكم أن من هتك أعراض المسلمين وأوقع محارمهم في الفاحشة ثم تاب توبة نصوحا هل تبرأ ذمته وينتهي الأمر أم أنهم يقتصون منه يوم القيامة؟
وكذلك الزوجة هل إذا تابت من الزنى وحسنت توبتها هل يبقى لزوجها حق عليها وعلى من زنت معه يوم القيامة أم أن الأمر ينتهي بتوبتها أو توبة من زنت معه ولا حق لزوجها - خصوصا إذا كان متعففا -؟
وقد رأيت أحدا ممن تاب من الزنى وسألته هل ترضى بمن تابت من الزنى, فقال: لا, وهو كان زانيا, فما بالك بمن تعفف عن الحرام ثم تزوج امرأة قد زنت ثم تابت وحسنت توبتها؟! علما أنها يجوز لها أن لا تخبره من باب الستر, أليس في هذا خديعة لهذا المسكين, فهو يظنها بكرا وهي ثيب؟!
أنا لا أتمنى أن أفضح أحدا, ولكن أليس من حق الزوج أن يعلم فيمسك بمعروف أو يسرح بإحسان؟!
أنا - يا شيخ - لا أتسامح مع هذا الأمر بحجة عدم تفرق الأسرة وغيره من الحجج؛ لأنها عندما أقدمت على هذا الفعل نسيت ربها وزوجها وأبناءها؛ فهي لا تستحق أن تبقى على ذمته إلا إذا عفا عنها.
أتمنى الإجابة بأسرع وقت, وأنا أعلم أن التوبة تجب ما قبلها, وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له, ولكن ليس في حقوق الآدميين, هل ما ذكرت آنفا من زنى الزوجة ومن زنى بمحارم المسلمين هل لمن زني بعرضه حق على من هتك عرضه؟
وهل للزوج حق على زوجته ومن زنى بها حتى بعد توبتهم؟ علما أنه لا يعلم بأمرهم, ولا بأمر توبتهم, ولو قلنا: إنه لن يتأثر؛ لأن الأمر بالنسبة له كأنه لم يحدث لعدم معرفته به, فهو كمن أخذ ماله دون علمه لكثرة ماله, فيلزم من أخذه أن يرده أو يتحلل ممن أخذ ماله, هل قياسي هذا صحيح؟ علما أني أفضل أخذ مالي وجلد ظهري على هتك عرضي.
أعتذر للإطالة, وأعانكم الله, ووفقكم, وأتمنى أن يكون بيننا نقاش في هذا الموضوع؛ لأنه حساس جدا بالنسبة لي.
جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإننا نشكرك أولا على غيرتك على عرضك وأعراض الآخرين من أن تنتهك، وحرصك على حفظ نفسك من الوقوع في الفواحش، فذلك من شأن أهل الإيمان، فجزاك الله خيرا, وحفظك وحفظ لك دينك حتى تلقاه على خاتمة حسنة.

ومن المقرر عند أهل العلم أن حقوق العباد مبنية على المشاحة، فلا تسقط إلا باستبراء أصحابها، ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:" من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها, فإنه ليس ثم دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته, فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه". فالحقوق المادية لابد أن ترد إلى أصحابها أو يستسمحون فيها.

وأما الحقوق المعنوية كالغيبة والنميمة وأمثالها من الحقوق التي تتعلق بالعرض فقد وقع خلاف بين العلماء في حكمها، وقد بينا ذلك بالفتوى رقم: 18180 وقد رجحنا فيها القول بالاكتفاء بالدعاء للمظلوم مراعاة لمقاصد الشرع في تحقيق المصالح ودرء المفاسد. 

ومن تدبرأمر هتك الأعراض بالزنا وخطورته يتبين له أن المصلحة الراجحة تكمن في التوبة النصوح مع الستر على النفس, وعدم إخبار الزوجة بأمر زناها أحدا: لا الزوج ولا غيره, وكذلك الحال في من خان زوجا في زوجته, ولا شك في أن للزوج حقا على من انتهك عرضه، قال ابن القيم في الجواب الكافي: فالزاني بالمرأة التي لها زوج أعظم إثما من التي لا زوج لها، إذ فيه انتهاك حرمة الزوج, وإفساد فراشه, وتعليق نسب عليه لم يكن منه، وغير ذلك من أنواع أذاه....اهـ.

وأما ما يتعلق بالبكارة فإن للرجل أن يشترط كون التي يريد الزواج منها بكرا، فإذا اشترط أن تكون بكرا، ثم وجدها على خلاف ما ‏اشترط، فله الخيار في فسخ الزواج، وتراجع الفتوى رقم: 52000.

وأما كون من زنى زني بأهله، فقد ورد بخصوصه حديث لا يصح، ويمكن مراجعة الفتوى رقم:  164967 ففيها بيان حال هذا الحديث، وتوجيه معناه لو صح سنده.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة