الحجاج هل يتحمل الله تعالى عنهم التبعات

0 360

السؤال

في الحديث: أن رسول الله دعا لامته عشية عرفة، فأجيب أني قد غفرت لهم ما خلا المظالم، فإني آخذ للمظلوم منه. قال: أي رب إن شئت أعطيت المظلوم الجنة، وغفرت للظالم، فلم يجب عشية عرفة، فلما أصبح بالمزدلفة أعاد، فأجيب إلى ما سأل. قال: فضحك رسول الله، أو قال تبسم، فقال له أبو بكر وعمر رضي الله عنهما: بأبي أنت وأمي إن هذه لساعة ما كنت تضحك فيها، فما الذي أضحكك؟ أضحك الله سنك. قال: إن عدو الله إبليس لما علم أن الله قد استجاب دعائي، وغفر لامتي أخذ التراب فجعل يحثوه على رأسه، ويدعو بالويل والثبور فأضحكني ما رأيت من جزعه ماصحة هذا الحديث وهل يعني أن الله يغفر للظالم يوم القيامة مظالم العباد عليه .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فالحديث المذكور رواه ابن ماجه في سننه وضعفه الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح، وقد تكلم أهل العلم في معناه كثيرا، ومما قالوا أن ظاهره أن الله تعالى يغفر لأهل عرفات حقه وحق العباد، لكن يحتمل أن يكون ذلك خاصا بمن كان معه صلى الله عليه وسلم في تلك السنة، أو بمن قبل حجه فلم يرفث ولم يفسق.

 وبسبب عدم صحة الحديث وإمكان تقييده واحتماله لم يكن دليلا قويا على أن الحج يكفر التبعات أي المظالم ، وإن كان يرجى أن يغفر الله تعالى للحجاج ويتحمل عنهم التبعات ويرضي عنهم خصماءهم لا سيما من حج منهم حجا مبرورا فإنه يغفر له ما دون الشرك.

ففي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح عند الكلام على الحديث المذكور: وظاهر الحديث عموم المغفرة، وشمولها حق الله وحق العباد، إلا أنه قابل للتقييد بمن كان معه - صلى الله عليه وسلم - في تلك السنة، أو بمن قبل حجه، بأن لم يرفث، ولم يفسق، ومن جملة الفسق الإصرار على المعصية، وعدم التوبة، ومن شرطها: أداء حقوق الله الفائتة ; كالصلاة، والزكاة، وغيرهما، وقضاء حقوق العباد المالية، والبدنية، والعرضية، اللهم إلا أن يحمل على حقوق لم يكن عالما بها، أو يكون عاجزا عن أدائها، .. ولا تغتر بكون هذا الحديث مجملا مع اعتقاد أن فضل الله واسع، وقد قال - تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48] إلى أن قال: قال بعض: وإذا تأملت ذلك كله علمت أنه ليس في هذه الأحاديث ما يصلح متمسكا لمن زعم أن الحج يكفر التبعات؛ لأن الحديث ضعيف؟ بل ذهب ابن الجوزي إلى أنه موضوع، وبين ذلك. على أنه ليس نصا في المدعى لاحتماله، ومن ثمة قال البيهقي: يحتمل أن تكون الإجابة إلى المغفرة بعد أن يذيقهم شيئا من العذاب دون ما يستحقه، فيكون الخبر خاصا في وقت دون وقت، يعني: ففائدة الحج حينئذ التخفيف من عذاب التبعات في بعض الأوقات دون النجاة بالكلية، ويحتمل أن يكون عاما، ونص الكتاب يدل على أنه مفوض إلى مشيئته - تعالى، وحاصل هذا الأخير أنه بفرض عمومه محمول على أن تحمله - تعالى - التبعات من قبيل: {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48] ، وهذا لا تكفير فيه، وإنما يكون فاعله تحت المشيئة، فشتان ما بين الحكم بتكفير الذنب، وتوقفه على المشيئة، ولذا قال البيهقي: فلا ينبغي لمسلم أن يغر نفسه بأن الحج يكفر التبعات، فإن المعصية شؤم، وخلاف الجبار في أوامره، ونواهيه عظيم، وأحدنا لا يصبر على حمى يوم، أو وجع ساعة، فكيف يصبر على عقاب شديد، وعذاب أليم لا يعلم وقت نهايته إلا الله؟ وإن كان قد ورد خبر الصادق بنهايته دون بيان غايته متى كان مؤمنا، وهذا لا ينافي قول ابن المنذر فيمن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، إن هذا عام يرجى أن يغفر له جميع ذنوبه صغائرها وكبائرها، وإنما الكلام في الوعد الذي لا يخلف ..إلى أن قال: ولا شك أن المسائل الاعتقادية لا تثبت إلا بالأدلة القطعية رواية ودراية، نعم، يغلب على الظن رجاء عموم المغفرة لمن حج حجا مبرورا، وسعيا مشكورا، وأين من يجزم بذلك في نفسه، أو غيره، وإن كان عالما أو صالحا في علو مقامه هنالك، فمن المعلوم أن غير المعصوم يجب أن يكون بين الخوف والرجاء، فنسأل الله حسن الخاتمة المقرونة بقبول التوبة، وحسن العمل الموجب للمثوبة من غير سبق العقوبة. انتهى.

  وقد سبق الكلام في هذا المعنى عند حديث: إن الله غفر لأهل عرفات وأهل المشعر، وضمن عنهم التبعات في الفتوى رقم : 119946.  
 

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات