الابن البار لا تضره إساءة أبيه إليه

0 215

السؤال

أنا أبلغ من العمر أربعين عاما, طالب علم بدار الحديث الخيرية, ومتزوج ولي من الأولاد أربعة, وأعمل مديرا للحسابات، بار جدا بوالدي, بل أنا أبر أولاده به بشهادة جميع من حولي وحوله, وزوجتي تعامله أفضل من معاملة أولاده أنفسهم له، والمشكلة أنه يبغض أهل الديانة, ويحب العصاة والفسقة, ويكره الإسلاميين, ولا يكفر النصارى، ويهاجم العلماء, ويطعن فيهم, ويذم المجاهدين, ويمدح الكفار، وقد توقفت عن مجادلته في ذلك من سنوات؛ لأني وجدت أن لا فائدة من النقاش, ولا يترتب عليه سوى الشحناء بيني وبينه؛ لذلك لا أجادله في ذلك, وأترفق به دائما, وأقوم بتحويل الأموال له من مكة إلى القاهرة؛ رغم حاجتي وحاجة أسرتي لها, ورغم عدم حاجته للمال, ودائما أرسل له الهدايا, وكل ذلك دون طلب منه, في حين أن أحدا من إخوتي لا يفعل مثل ذلك معه، ومع ذلك فهو دائما يشنع علي في مجالسه ومع جميع أفراد العائلة, ويقوم بتشويه سمعتي, ويصدهم عن قبول نصحي, وينكر علي عندما أنصح أختي بأن تصلي وبالحجاب, وعندما أنصح أخي بعدم العمل في الخمور في أحد الفنادق العالمية الكبرى، وعندما قمت بالبحث لأخي عن عمل آخر في فندق لا يقدم الخمور نهرني أبي, وأخذ يشنع علي، وعندما عرضت على أختي أن تنصح زوجها بالامتناع عن العمل في مجال الإخراج المسرحي, وعرضت عليها أن تشاطرني راتبي, وكان العرض بكل أدب وبعيدا تمام البعد عن أي نوع من أنواع التجريح أقام أبي الدنيا ولم يقعدها, وأخذ في نسج الأكاذيب حولي – وأنا آسف أني أتحدث عنه بهذه الطريقة, ولكنها الحقيقة – كل ذلك لأنه لا يرضى أن يترك إخوتي هذه الأعمال ذات الواجهة الاجتماعية المرموقة، بل وقام بالوقيعة بيني وبين أختي متعمدا ليمنعني من نصحها, وليمنعها من التأثر بنصحي، وكلما حاولت أن أقترب منه لأبره يزيد في التشنيع علي، وكانت أمي - رحمها الله - هي التي تحاول الذب عني, وإفهام الناس الحقيقة دون أن تصطدم به، لكن لما توفاها الله عز وجل زاد أبي في التشنيع علي، وعندما أنزل إجازة لمصر أنا وزوجتي وأولادي لا يحسن استقبالنا, ويتجهم في وجوهنا, وينهر الأولاد كأنه يقول لنا: لا أريد أن أراكم؛ حتى صار أولادي يطلبون صراحة عدم الذهاب لبيته, بل هو يفعل ذلك, ولو ذهبت له بمفردي، وهو يضغط علي لإسماع أولادي الموسيقى, ويتضايق إذا رآهم يحفظون القرآن، وعندما استضفته منذ ثلاث سنوات ببيتي في مكة لمدة شهرين عاد إلى القاهرة وقال عني كلاما لا يقوله أب عن ابنه وأرسل إلي خطابا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فسؤالك لم يكتمل، وعلى العموم فإن كان الحال كما ذكرت فإن أباك على خطر عظيم, وفساد كبير في الدين والخلق, وهو ظالم لك, ومقابل للإحسان بالإساءة والنكران، ولا ريب أن برك به وإحسانك إليه عمل صالح من أفضل الأعمال التي يحبها الله ولا تضرك - بإذن الله - إساءته إليك، فعن أبي هريرة أن رجلا قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني, وأحسن إليهم ويسيئون إلي, وأحلم عنهم ويجهلون علي, فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك" رواه مسلم, ومعنى تسفهم المل: تطعمهم الرماد الحار, لكن ننبهك إلى أن النفقة الواجبة للزوجة والأولاد تقدم على نفقة الوالدين ومن بعدهم، قال ابن قدامة في المغني: " ومن لم يفضل عن قوته إلا نفقة شخص وله امرأة فالنفقة لها دون الأقارب؛ لقول النبي صلى الله عليه و سلم في حديث جابر: إذا كان أحدكم فقيرا فيبدأ بنفسه, فإن كان له فضل فعلى عياله, فإن كان له فضل فعلى قرابته ", فهذا في حال وجوب النفقة للوالدين فكيف إذا لم يكونا بحاجة للنفقة؟
واعلم أن أعظم البر بوالدك والإحسان إليه نصحه, والأخذ بيده إلى طريق التوبة, والدعاء له بالهداية, فلا تيأس من ذلك, فليست هدايته على الله ببعيدة، وإذا بدا لك أن الطريق إلى استصلاح والدك هجره فلا حرج عليك في ذلك، فقد سئل الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - في لقاء الباب المفتوح : هل يجوز الهجر للوالدين المسلمين إذا كان في مصلحة شرعية؟ فأجاب : نعم، إذا كان في هجر الوالدين مصلحة شرعية لهما فلا بأس من هجرهما، لكن لا يقتضي ذلك منع صلتهما، صلهما بما يجب عليك أن تصلهما به، كالإنفاق عليهما، في الطعام والشراب والسكن وغير ذلك"

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة