الوقت الضروري والاختياري ومقدر الوقت الاختياري للظهر والعصر

0 443

السؤال

أريد أن أسأل عن الوقت الاختياري والوقت الضروري للصلوات, فهل حقا لا تجوز الصلاة في الوقت الضروري إلا لعذر؟ وما هي هذه الأعذار؟ ولماذا يفتي بعض المشايخ بجواز الجمع بين الظهر والعصر بسبب الدراسة أو العمل؟ وما هو مقدار وقت العصر الاختياري؟ هل هو نصف الوقت المخصص للعصر أم أقل أم أكثر؟ وهل حقا أن وقت الظهر الاختياري يمتد إلى مقدار أربع ركعات بعد دخول وقت العصر؟
جزاكم الله عنا كل خير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد:

فجوابنا عن أسئلتك يتلخص فيما يلي:

أولا: نقول ابتداء: إن العلماء لم يتفقوا على وجود وقت ضرورة للصلوات الخمس, فمنهم من ذهب إلى أنه ليس لها وقت ضرورة, ومنهم من أثبت لها ذلك, وهؤلاء اختلفوا في الصلاة التي لها وقت ضرورة, فالحنابلة قالوا العصر, ووقت ضرورتها من اصفرار الشمس إلى الغروب, والعشاء, ووقت ضرورتها من ثلث الليل إلى طلوع الفجر الثاني, وأما الفجر والظهر والمغرب فليس لها وقت ضرورة عندهم, قال المرداوي في الإنصاف عن الفجر: الصحيح من المذهب أنه ليس لها وقت ضرورة، بل وقت فضيلة وجواز، كما في المغرب والظهر. اهــ

والمالكية قالوا بوقت الضرورة للصلوات الخمس, وقد فصلنا أقوالهم جميعا في الفتوى رقم: 124150 عن وقت الاختيار ووقت الضرورة، وما ينبني عليهما من أحكام.

ثانيا: لا يجوز تأخير الصلاة إلى وقت الضرورة عند القائلين به من غير عذر, قال المرداوي الحنبلي في الإنصاف: لا يجوز تأخير الصلاة - ولا بعضها - إلى وقت ضرورة, ما لم يكن عذر على الصحيح من المذهب. اهــ .
وذكروا جملة من الأعذار التي يجوز معها أداء الصلاة في وقت الضرورة, قال الخرشي المالكي في شرح مختصر خليل:
من أوقع الصلاة كلها أو شيئا منها في وقت الضرورة من غير عذر من الأعذار الآتي بيانها فإنه يكون آثما, وإن كان مؤديا: فمن الأعذار: الكفر الأصلي أو الطارئ بردة, ومنها: الصبا, ومنها: الإغماء والجنون, والنوم والغفلة أي: النسيان, ومنها: الحيض والنفاس, فإذا أسلم الكافر, أو بلغ الصبي, أو أفاق المغمي أو المجنون, أو استيقظ النائم, أو الناسي, أو طهرت الحائض أو النفساء في الوقت الضروري أدوا الصلاة فيه من غير إثم؛ لعدم تسبب المكلف في غالبها, وهو ما عدا الكفر ..... وإنما عذر الشارع الكافر ترغيبا في الإسلام, ففي الحقيقة المانع من الإثم ليس الكفر, بل الإسلام الذي عقبه لقوله تعالى: "قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف". اهــ

ثالثا: وقت الضرورة بالنسبة لصلاة العصر: يبدأ من اصفرار الشمس إلى الغروب, كما في الفتوى المشار إليها سابقا, جاء في حاشية العدوي: ومبدؤه في العصر الاصفرار وانتهاؤه فيهما غروب الشمس. اهــ .

وأما قولك: وما مقدار وقت العصر الاختياري؟ هل هو نصف الوقت المخصص للعصر أم أقل أم أكثر؟ فجوابه: أن وقت العصر الاختياري يمتد من انتهاء وقت الظهر إلى اصفرار الشمس، ولا يمكن تقديره بالنصف أو غيره؛ لأن ما ذكر من تحديده يختلف باختلاف البلدان, وباختلاف فصول السنة.

رابعا: قولك: "هل حقا أن وقت الظهر الاختياري يمتد إلى مقدار أربع ركعات بعد دخول وقت العصر؟ "جوابه": أن هذا قال به بعض الفقهاء, وهو محل خلاف عند المالكية, فمنهم من قال: لو أخر الظهر إلى أول وقت العصر فإنه لا يأثم لأن الصلاتين تشتركان في هذا المقدار, ومنهم من قال: لو أخرها إلى أول وقت العصر أثم؛ لأن الصلاتين لا تشتركان في هذا المقدار, جاء في حاشية الدسوقي: فائدة هذا الخلاف بالنسبة للظهر تظهر في الإثم وعدمه عند تأخيرها عن القامة الأولى لأول الثانية, وتظهر بالنسبة للعصر في الصحة وعدمها إذا قدمها في آخر القامة الأولى, ومنشأ الخلاف قوله - عليه الصلاة والسلام - في المرة الأولى أتاني جبريل فصلى بي الظهر حين زالت الشمس, ثم صلى بي العصر حين صار ظل كل شيء مثله, وقوله - عليه الصلاة والسلام - في المرة الثانية فصلى بي الظهر من الغد حين صار ظل كل شيء مثله, فاختلف الأشياخ في معنى قوله في الحديث: فصلى: هل معناه شرع فيهما, أو معناه فرغ منهما, فإن فسر بشرع كانت الظهر داخلة على العصر, ومشاركة لها في أول القامة الثانية, وإن فسر بفرغ كانت العصر داخلة على الظهر, ومشاركة لها في آخر القامة الأولى, وقد وردت الإشارة إلى هذا الخلاف في كلام الحطاب في الفتوى السابق ذكرها. اهــ

خامسا: قولك: "ولماذا يفتي بعض المشايخ بجواز الجمع؟. إلخ" جوابه: أن من أفتى من أهل العلم بذلك استند إلى ما أخرج مسلم في صحيحه عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر جميعا بالمدينة من غير خوف ولا سفر. قال أبو الزبير: فسألت سعيدا لم فعل ذلك؟ فقال: سألت ابن عباس كما سألتني، فقال: أراد أن لا يحرج أمته.

قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: ذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر لحاجة, لا لمن يتخذه عادة، وهو قول ابن سيرين, وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال, والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي, وعن أبي إسحاق المروزي, وعن جماعة من أصحاب الحديث, واختاره ابن المنذر، ويؤيده ظاهر قول ابن عباس: أراد أن لا يحرج أمته.. فلم يعلله بمرض ولا بغيره. اهــ .

والله تعالى أعلم. 

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة