المنهج الصحيح في الإيمان بالأسماء والصفات

0 429

السؤال

ماذا عن الشعور بالوحشة عند سماع صفات الله – كالساعد, والقدم, والصورة -؟ وإن كان المرء مؤمنا بها فهل يؤاخذه الله؟ أيحاسبنا على ما تخفي الصدور كما في سورة البقرة؟ وهل نسخت الآية تماما فليس لها أي أثر؟ وكيف نرى الله يوم القيامة؟ وما معنى: (يرونه ولكن لا يحيطون به)؟ وكيف يدخل الله قدمه في النار؟ وكيف أن الأصابع عددها خمس, ومعها يد وساعد, وحقو (لباس)؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالواجب على المسلم الاستسلام لما ثبت عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، فيجب الإيمان بما وصف الله تعالى به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل, فقد قال ابن تيمية في العقيدة الواسطية: ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يؤمنون بأن الله سبحانه ليس كمثله شيء, وهو السميع البصير, فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه, ولا يحرفون الكلم عن مواضعه, ولا يلحدون في أسماء الله وآياته، ولا يكيفون, ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه؛ لأنه سبحانه لا سمي له, ولا كفء له, ولا ند له، ولا يقاس بخلقه سبحانه وتعالى, فإنه أعلم بنفسه وبغيره, وأصدق قيلا, وأحسن حديثا من خلقه, ثم رسله صادقون مصدقون, بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون؛ ولهذا قال: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين) فسبح نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل, وسلم على المرسلين لسلامة ما قالوه من النقص والعيب, وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمى به نفسه بين النفي والإثبات، فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاء به المرسلون، فإنه الصراط المستقيم, صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .. اهـ.

 وقال ابن القيم في مدارج السالكين: العصمة النافعة في هذا الباب: أن يوصف الله بما وصف به نفسه, وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل تثبت له الأسماء والصفات، وتنفي عنه مشابهة المخلوقات، فيكون إثباتك منزها عن التشبيه، ونفيك منزها عن التعطيل. اهـ.

وأما الوقوع فيما ذكر السائل من الوحشة: فهو أمر ينبغي للمسلم أن يجاهد نفسه في إزالته؛ لئلا يكون ممن في أنفسهم حرج وعدم تسليم لما ثبت من النصوص, فقد قال الله تعالى: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما {النساء:65}، فلا بد من التسليم والانقياد ظاهرا وباطنا لما ثبت في القرآن والسنة, كما قال الحافظ ابن كثير: وقوله: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم: يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنا وظاهرا، ولهذا قال: لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما, أي: إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم, فلا يجدون في أنفسهم حرجا مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن، فيسلمون لذلك تسليما كليا من غير ممانعة, ولا مدافعة, ولا منازعة. انتهى.

ولا مؤاخذة بما في النفس إن كان مجرد خاطر وحديث نفس، ما لم يتلفظ به، أو يعمل بمقتضاه، أو يستقر في قلبه بحيث يصير اعتقادا لا ينفر منه صاحبه ولا يكرهه.

واما آية البقرة فإنها منسوخة بقوله تعالى: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها {البقرة:286}، أخرج الإمام مسلم وغيره من حديث أبي هريرة قال: لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير. قال: فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم بركوا على الركب, فقالوا: أي رسول الله, كلفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة, والصيام, والجهاد, والصدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا؟! بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير, قالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، فلما اقترأها القوم ذلت بها ألسنتهم فأنزل الله في إثرها: آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير. فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل الله عز وجل: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا. قال نعم: ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنآ أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين. قال: نعم. قال ابن كثير: قوله: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها, أي: لا يكلف أحدا فوق طاقته، وهذا من لطفه تعالى بخلقه, ورأفته بهم, وإحسانه إليهم، وهذه هي الناسخة الرافعة لما كان أشفق منه الصحابة في قوله: وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله, أي: هو وإن حاسب وسأل، لكن لا يعذب إلا بما يملك الشخص دفعه، فأما ما لا يمكن دفعه من وسوسة النفس وحديثها، فهذا لا يكلف به الإنسان، وكراهية الوسوسة السيئة من الإيمان، وقوله: لها ما كسبت, أي: من خير, وعليها ما اكتسبت, أي: من شر, وذلك في الأعمال التي تدخل تحت التكليف. انتهى.

وأما السؤال عنها بكيف: فقد نهى عنه السلف, وذكروا أنه لا يمكن إدراك كيفية صفات الله تعالى, فقد روى الخلال في السنة عن الوليد بن مسلم قال: سألت سفيان, والأوزعي, ومالك بن أنس, والليث بن سعد عن هذه الأحاديث فقالوا: نمرها كما جاءت. قال الخلال: هذا في أحاديث الصفات, وهو مذهب السلف: إثبات حقيقتها, ونفي علم الكيفية. انتهى.

وقال الإمام الطحاوي: نمرها كما جاءت, ونؤمن بها ولا نقول كيف وكيف. انتهى.

وانما يقال في هذا ما قال الإمام مالك - رحمه الله - وغيره من السلف عندما سئلوا عن قوله تعالى: الرحمن على العرش استوى [طـه: 5]. قالوا: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

وكذلك قال ربيعة شيخ مالك قبله: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، ومن الله البيان، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا الإيمان.

وقال العلامة الشيخ الأمين الشنقيطي ـ رحمه الله: فلو قال متنطع: بينوا لنا كيفية الاتصاف بصفة الاستواء واليد، ونحو ذلك لنعقلها، قلنا: أعرفت كيفية الذات المقدسة المتصفة بتلك الصفات؟ فلا بد أن يقول: لا، فنقول: معرفة كيفية الاتصاف بالصفات متوقفة على معرفة كيفية الذات، فسبحان من لا يستطيع غيره أن يحصي الثناء عليه هو، كما أثنى على نفسه: يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما{20 110} ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، قل هو الله أحد الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد {112 1 - 4} فلا تضربوا لله الأمثال [16 74] فتحصل من جميع هذا البحث أن الصفات من باب واحد، وأن الحق فيها متركب من أمرين: الأول: تنزيه الله جل وعلا عن مشابهة الخلق، والثاني: الإيمان بكل ما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم إثباتا، أو نفيا، وهذا هو معنى قوله تعالى: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. والسلف الصالح ـ رضي الله عنهم ـ ما كانوا يشكون في شيء من ذلك، ولا كان يشكل عليهم، ألا ترى إلى قول الفرزدق وهو شاعر فقط، وأما من جهة العلم، فهو عامي:

وكيف أخاف الناس والله قابض ... على الناس والسبعين في راحة اليد.

ومراده بالسبعين: سبع سماوات وسبع أرضين، فمن علم مثل هذا من كون السماوات والأرضين في يده جل وعلا أصغر من حبة خردل، فإنه عالم بعظمة الله وجلاله, لا يسبق إلى ذهنه مشابهة صفاته لصفات الخلق، ومن كان كذلك زال عنه كثير من الإشكالات التي أشكلت على كثير من المتأخرين، وهذا الذي ذكرنا من تنزيه الله جل وعلا عما لا يليق به، والإيمان بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، هو معنى قول الإمام مالك - رحمه الله -: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والسؤال عنه بدعة ـ ويروى نحو قول مالك هذا عن شيخه ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وأم سلمة رضي الله عنها. انتهى.

ومعنى أنهم لا يحيطون به: أنهم لا يدركونه إدراكا كامل فالإحاطة والإدراك منفيان عن الله تعالى، كما قال عز وجل: لا تدركه الأبصار {الأنعام:103}. وقال: ولا يحيطون به علما {طه:110}.

قال شيخ الإسلام ابن تيميةنفى الإدراك الذي هو الإحاطة, كما قاله أكثر العلماء، ولم ينف مجرد الرؤية؛ لأن المعدوم لا يرى, وليس في كونه لا يرى مدح؛ إذ لو كان كذلك لكان المعدوم ممدوحا، وإنما المدح في كونه لا يحاط به ـ وإن رئي ـ  كما أنه لا يحاط به ـ وإن علم ـ فكما أنه إذا علم لا يحاط به علما، فكذلك إذا رئي لا يحاط به رؤية، فكان في نفي الإدراك من إثبات عظمته ما يكون مدحا وصفة كمال، وكان ذلك دليلا على إثبات الرؤية لا على نفيها، لكنه دليل على إثبات الرؤية مع عدم الإحاطة, وهذا هو الحق الذي اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها. انتهى.

وقال أيضا: الموجود في كتاب الله وسنة رسوله وكلام سلف الأمة وأئمتها هو نفي إدراك نهايته, ونفي الإحاطة به, كما قال تعالى: لا تدركه الأبصار. وقال من قال من السلف لمن سأله عن هذه الأشياء: ألست ترى السماء؟ قال: بلى, قال: أفكلها ترى؟ قال: لا, قال: فالله أكبر. اهـ.

وقال ابن حجر: نفي الإدراك لا يستلزم نفي الرؤية؛ لإمكان رؤية الشيء من غير إحاطة بحقيقته. انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين: رؤيتنا لله عز وجل لا تقتضي الإحاطة به؛ لأن الله تعالى يقول: ولا يحيطون به علما, فإذا كنا لا يمكن أن نحيط بالله علما، والإحاطة العلمية أوسع وأشمل من الإحاطة البصرية، دل ذلك على أنه لا يمكن أن نحيط به إحاطة بصرية، ويدل لذلك قوله تعالى: لا تدركه الأبصار, وهو يدرك الأبصار. فالأبصار ـ وإن رأته ـ لا يمكن أن تدركه، فالله عز وجل أعظم من أن يحاط به، وهذا الذي ذهب إليه السلف. انتهى.

 وراجع في مسألة الأصابع والحقو الفتاوى التالية أرقامها: 154591 / 11274 /  188071.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة