السؤال
ما رأيكم في بنك الزيتونة الإسلامي بتونس؟ وهل صحيح أن معاملاته موافقة للشرع؟ ومن اضطر لفتح حساب، فهل يجعله في بنك الزيتونة؟ أم إن كل البنوك تتشابه؟ وما حكم بيع أقمشة يغلب على الظن أنها سوف تستعمل في صنع خمار، لكن هذا الخمار سوف يتم تزيينه ببعض مواد الزينة؟.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبنك الزيتونة من البنوك الإسلامية، لكن لا يمكن الحكم على جميع معاملاته بانضباطها بالضوابط الشرعية إلا بعد الوقوف عليها، لكن لا حرج في التعامل معه من حيث الجملة، كما بينا في الفتوى رقم: 161645 .
ولا يستوي هو والبنوك الربوية، فلا يجوز لمن احتاج إلى فتح حساب ووجد بنكا إسلاميا أن يفتح الحساب بالبنوك الربوية ولو كان الحساب جاريا، إذ لا يخلو ذلك من إعانة لهم على الباطل والإثم، وينبغي تشجيع البنوك الإسلامية وتحويل الحسابات إليها ومقاطعة غيرها من البنوك الربوية حتى تنحو منحى البنوك الإسلامية فتراعي الضوابط الشرعية في معاملاتها، ولا سيما في بلاد المسلمين، وما كان لأرباب تلك البنوك الربوية أن يتمادوا في باطلهم لولا تعاون الناس معهم وإقبالهم عليها، لأن همهم هو الربح وغايتهم هي المادة فأينما وجدوها اطمأنوا، ولذا يلاحظ كثرة إقبال أصحاب المؤسسات المالية على النموذج الإسلامي في الصيرفة لما حل بالبنوك الربوية من الكساد، ولما ظهر في الأرض من الفساد حتى أفلست بنوك، وكسدت صناعات، وافتقر كثير ممن كانوا أغنياء، ومن أصدق من الله قيلا: يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم * إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون * يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون {البقرة: 276ـ 279}.
وأما بيع القماش الذي يصنع منه النساء خمرهن، فلا حرج فيه واحتمال كون بعضهن قد يزينه، أو أن المصنع قد يزينه لا يمنع بيعه، لأن المرأة قد تزينه لتظهر به بين النساء أو أمام زوجها، وقد لا تزينه وتتخذه للستر والعفاف، وما دام الأمر كذلك ولا مرجح لاحتمال استعماله استعمالا محرما فيجوز بيعه، قال القرافي في الفروق: فليس كل ذريعة يجب سدها، بل الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها، وتكره وتندب وتباح... فالذرائع المفضية إلى المحرم ثلاثة أقسام:
والقسم الأول: ما أجمعت الأمة على سده ومنعه وحسمه وله مثل منها حفر الآبار في طريق المسلمين فإنه وسيلة إلى إهلاكهم فيها، ومنها إلقاء السم في أطعمتهم، ومنها سب الأصنام عند من يعلم من حاله أنه يسب الله تعالى عند سبها.
والقسم الثاني: ما أجمعت الأمة على عدم منعه وأنه ذريعة لا تسد ووسيلة لا تحسم وله أمثلة منها: زراعة العنب وسيلة إلى الخمر ولم يقل أحد بالمنع منها خشية الخمر، ومنها: المجاورة في البيوت وسيلة إلى الزنا ولم يقل أحد بمنعها خشية الزنا... اهـ.
وقد عامل النبي صلى الله عليه وسلم اليهود بالتجارة والدين والإعارة ونحوها مع أن الله تعالى أخبره في القرآن أنهم يأكلون الربا والسحت، وربما يستعملون ما يحصلون عليه من تلك المعاملات في أمور محرمة، وفي الصحيحين وغيرهما: عن ابن عمر رضي الله عنهما يقول:رأى عمر حلة سيراء تباع، فقال: يا رسول الله، ابتع هذه والبسها يوم الجمعة، وإذا جاءك الوفود. قال: (إنما يلبس هذه من لا خلاق له). فأتي النبي صلى الله عليه وسلم منها بحلل، فأرسل إلى عمر بحلة، فقال: كيف ألبسها وقد قلت فيها ما قلت؟ قال: (إني لم أعطكها لتلبسها، ولكن تبيعها أو تكسوها). فأرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم.
وهكذا الوسائل التي قد تستخدم في الحرام وقد تستعمل في الحلال، فما لم يغلب استعمال الحرام فيه خاصة أو غلب على الظن أن آخذه يريده للحرام فلا يحرم بيعه ولا إنتاجه، ومن استعمله في الحرام بعد ذلك فوزره عليه، قال تعالى: ولا تزر وازرة وزر أخرى {الأنعام:164}.
وللفائدة انظر الفتوى رقم: 110318 .
والله أعلم.