آثار الذنوب والمعاصي وفضل التوبة منها

0 238

السؤال

سؤالي عن الاستمناء: أنا طالب وأعيش في مجتمع تفشى فيه العري والفساد وأريد أن أحصن نفسي، لا أستطيع الزواج ولا الصيام وكلما وقعت في ذلك أعد نفسي وأعد الله أنني لن أعود لذلك، لكن أبسط شيء يثيرني ويدفعني إلى الاستمناء وعند فعل ذلك أحس بالذنب وأتوب، ولكنني أعود لفعل ذلك حتى قلت إن الله لن يغفر لي طالما أعود لارتكاب هذا الذنب، أريد المساعدة، لأنني مشتت ولا أستطيع تدارك الأمر، فهل علي عقاب في الدنيا، لأنني كلما فعلت ذلك أقول إن الله لن يساعدني ولن يستجيب دعائي طالما هذا الذنب يرافقني؟ وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يتوب عليك ويوفقك لترك هذا الذنب وغيره من الذنوب والمعاصي، وأول ما نوصيك به هو تقوى الله والبعد عن الأماكن التي تكثر فيها الفتن، بل عليك بهجرها، فإنها من الهجرة التي يحمد صاحبها ويثاب عليها، وعليك أن تشغل نفسك بالطاعات خصوصا ذكر الله تعالى، فإن الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس، كما جاء ذلك عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ كما أن الواجب عليك أن تتوب من الذنب ولو وقعت فيه مرات ومرات، فلا تقنط من رحمة الله، وألح عليه في الدعاء بأن يعافيك من هذا الذنب، فإياك إياك أن تترك التوبة وبابها لم يغلق، أو تترك الدعاء وبابه لم يوصد، فإن الشيطان يود أن يظفر منك بهذا، وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل قال: أذنب عبد ذنبا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، واعمل ما شئت فقد غفرت لك.

قال النووي: وفي الحديث أن الذنوب ولو تكررت مائة مرة، بل ألفا وأكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته، أو تاب عن الجميع توبة واحدة صحت توبته، وقوله في الحديث: اعمل ما شئت ـ معناه: ما دمت تذنب فتتوب غفرت لك.
وليس في هذا الحديث ترخيص في فعل الذنوب، ولكن فيه الحث على التوبة لمن وقع في الذنب، وأنه لا يستمر على فعله.

واعلم ـ وفقنا الله وإياك لطاعته ـ أن من عقوبة الذنب أن يجد الإنسان أثره في الدنيا ولو بعد حين، وأن من هذه الآثار تعسير أموره عليه، فكلما طرق بابا وجده مغلقا، قال ابن القيم رحمه الله: وهاهنا نكتة دقيقة يغلط فيها الناس في أمر الذنب، وهي أنهم لا يرون تأثيره في الحال، وقد يتأخر تأثيره فينسى، ويظن العبد أنه لا يغبر بعد ذلك، وأن الأمر كما قال القائل: إذا لم يغبر حائط في وقوعه... فليس له بعد الوقوع غبار، وسبحان الله! ماذا أهلكت هذه النكتة من الخلق؟ وكم أزالت غبار نعمة؟ وكم جلبت من نقمة؟ وما أكثر المغترين بها العلماء والفضلاء، فضلا عن الجهال، ولم يعلم المغتر أن الذنب ينقض ولو بعد حين، كما ينقض السم، وكما ينقض الجرح المندمل على الغش والدغل، وقد ذكر الإمام أحمد عن أبي الدرداء: اعبدوا الله كأنكم ترونه، وعدوا أنفسكم من الموتى، واعلموا أن قليلا يغنيكم، خير من كثير يلهيكم، واعلموا أن البر لا يبلى، وأن الإثم لا ينسى. ونظر بعض العباد إلى صبي، فتأمل محاسنه، فأتي في منامه وقيل له: لتجدن غبها بعد أربعين سنة، هذا مع أن للذنب نقدا معجلا لا يتأخر عنه، قال سليمان التيمي: إن الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مذلته، وقال يحيى بن معاذ الرازي: عجبت من ذي عقل يقول في دعائه: اللهم لا تشمت بي الأعداء، ثم هو يشمت بنفسه كل عدو له، قيل: وكيف ذلك؟ قال يعصي الله ويشمت به في القيامة كل عدو، وقال ذو النون: من خان الله في السر هتك الله ستره في العلانية، وقال بعض السلف: إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي، وامرأتي، ومنها: تعسير أموره عليه، فلا يتوجه لأمر إلا يجده مغلقا دونه أو متعسرا عليه، وهذا كما أن من تلقى؟ الله جعل له من أمره يسرا، فمن عطل التقوى جعل له من أمره عسرا، ويا لله العجب! كيف يجد العبد أبواب الخير والمصالح مسدودة عنه وطرقها معسرة عليه، وهو لا يعلم من أين أتي؟ انتهى.

وللفائدة يرجى مراجعة الفتاوى التالية أرقامها، ففيها نصائح مهمة معينة بعد توفيق الله على ترك المعاصي: 136950، 169157، 133150، 7170.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات