يتوب ثم يسرف على نفسه ثم يتوب ثم يعود للمعاصي

0 306

السؤال

إخوتي في الإسلام قال الله تعالى: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ـ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة, ثلاثا، قلنا لمن يارسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ـ أسألكم بالله تعالى أن تتحملوني، لأن قصتي طويلة نوعا ما: أنا شاب أبلغ من العمر 24 سنة, وقد حاولت أن أستقيم أكثر من مرة في حياتي... وعندما توفي والدي كان عمري 9 سنوات وكنت صاحب عبادة وصلاة وهذا من فضل الله عز وجل علي, وبعد وفاة والدي اجتهدت في العبادة لأقل من سنة تقريبا, وكانت تروادني وساوس كثيرة في أمور الطهارة والصلاة والعقيدة، ومن ثم أصبحت تقل العبادة شيئا فشيئا, ولكنني أعاني منذ الصغر من مرض قبيح وذنب كبير هو ممارسة اللواط, وبسبب ذلك أصبحت أمارس العادة السرية بشكل يومي تقريبا ـ أسأل الله السلامة والعافية ـ وكلما استقيظت وأنا جنب وجب علي الاغتسال، بقيت على هذه الحال بعد وفاة والدي سنة على الأقل ثم تدنى الاغتسال ليصبح كل يومين أو ثلاثة ثم كل جمعة ثم كل جمعتين...إلخ, إلى أن اكتشفت أنني لم أصل الفروض الخمسة لأكثر من ثلاثة أيام متتالية لقرابة خمس سنوات ـ أسأل الله لي ولكم العفو والمغفرة ـ ثم رجعت إلى الصلاة وصرت أحث أصحابي عليها, وبعد سنة استقام ـ بفضل الله تعالى ـ أحد أقرب الإصدقاء إلي وأصبح يتردد علي ويدعوني إلى الاستقامة, فقلت لا أستطيع، لأنني أخاف أن أرجع مرة أخرى، ثم دعاني للقيام بعمرة وكان ذلك في شهر رمضان المبارك, فذهبت معهم, وبعد عودتنا بيومين أو ثلاثة عزمت على الاستقامة, وأثناء اتخاذي للقرار أتلفت أشرطة الأغاني وتركت القليل منها, وقصرت الثياب ولا زلت أدخن وأتيت الشباب فرحبوا بي واستقبلوني وضموني إليهم، وفي يوم من الأيام صليت بجانبه صلاة التراويح، مع أنني كنت أتجنب وقوع ذلك، وحينما قنت الإمام إذا به يبكي بخشوع إلى أن أبكى المصلين, وإذا بصديقي يبكي بكاء شديدا أرفع من بكاء الإمام والمصلين, فعرفت حينها أن كل ما فعلته كان لمجرد الحسد ـ والعياذ بالله العظيم ـ أو هذا ما ظننته..فخرجت بعد الصلاة عازما على تغيير وضعي إلى ما كنت عليه قبل الاستقامة, ويا ليت ذا الذي حصل، بل حصل ما هو أسوأ من ذلك, والذي نفسي بيده يا أحبتي في الله لا أستطيع أن أصف ما مررت به وما عشته في حياتي السابقة, ولكن بكل اختصار لا أعلم كيف تدهورت حالتي إلى أن أصبحت بلا صلاة ولا صيام, وأتعاطى المخدرات والمسكرات, وأسمع الأغاني وأعزف على الآلات, وأمارس اللواط، ولكنني أبغض الزنا والزناة, ونجس أغلب السنوات الثلاث...ثم فجأة والحمد لله وحده لاشريك له له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن, قررت أن أتوب وأرجع إلى الله جل وعز, فبدأت ـ بفضل الله تعالى ـ أقتر وأقلل من الذنوب شيئا فشيئا حتى لم يبق سوى التدخين وتعاطي المنشطات التي كنت لا أستطيع أن أقوم بعمل لأكثر من 5 أو 6 ساعات أو أن أفهم أي موضوع بدونها, وخلال هذه الفترة وجهت اهتمامي إلى الدين أطالع وأقرأ وأدون، والحمد لله رب العالمين فهمت كثيرا من المواضيع التي كنت في غاية الجهل بها وأهمها التوحيد، ولكنني لا زلت طيلة هذه الفترة أحاول التخلص من التدخين وتعاطي المنشطات، وأتوب منها وأجتهد في العبادة ولا أطلب المزيد من العلم, ولا ألبث أن أعود للتدخين في ثاني يوم ثم أعود للتعاطي بعد خمسة أيام أو ست أو ثمان بالكثير، وبقيت هكذا لمدة تزيد على السنة حتى تكرر هذا الفعل أكثر من 150 مرة, وأصبحت أحس أنني من المخادعين والمنافقين, وأحتار وأتخبط, وبدأت بعض النوافل تتناقص حتى لم يبق شيء منها, والمعلومات تتطاير وتتداخل, وكل ذلك حدث عندما تكاسلت في الدعاء بسبب كثرة الأيمان التي نقضتها ولم أتحلل منها, فماذا أصنع؟ وهل أتشدد في الطاعات وأتوب كلما وقعت في الذنب؟ أو أبقى على الذنوب حتى أكفر عن جميع أيماني ثم أتوب؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فقد أسرفت على نفسك ـ أيها الأخ ـ وارتكبت من الموبقات ما يستوجب التوبة والندم الشديد، ولكن والحمد لله باب التوبة مفتوح لا يغلق في وجه أحد حتى تطلع الشمس من مغربها، والتوبة من جميع الذنوب واجبة على الفور لا يجوز تأخيرها، ومن تاب من ذنب دون آخر صحت توبته من ذلك الذنب، وعليه أن يبادر بالتوبة مما هو مقيم عليه من الذنوب، قال النووي: ويجب أن يتوب من جميع الذنوب، فإن تاب من بعضها صحت توبته عند أهل الحق من ذلك الذنب، وبقي عليه الباقي. انتهى.

وبهذا تعلم أن الواجب عليك هو أن تبادر بالتوبة دون أي تأخير من جميع ما أنت مقيم عليه من الذنوب، مستعينا على ذلك بالله تعالى مجتهدا في دعائه واللجأ إليه حريصا على صحبة الصالحين مكثرا من فعل النوافل مستزيدا من الطاعات ما أمكن، فإنك بحاجة إلى الإكثار من العبادات ونوافل الطاعات لتلافي ما حصل منك من تفريط عظيم، قال تعالى: إن الحسنات يذهبن السيئات {هود:114}.

فإذا زللت وعاودت فعل الذنب الذي تبت منه فلا تيأس ولا تقنط مهما تكرر ذلك، بل كرر التوبة وخذ بأسباب الاستقامة حتى يمن الله عليك بالإقلاع التام عن هذه الذنوب، ولا تؤخر التوبة وتقول إلى أن أكفر عن تلك الأيمان، بل بادر بالتكفير عن أيمانك تلك مع المبادرة بالتوبة كذلك، وانظر لبيان حكم كفارة اليمين هل هي على الفور أو على التراخي الفتوى رقم: 96808.

والخلاصة أن عليك أن تبادر بالتوبة والتكفير عن أيمانك، ولا تعلق للتوبة من هذه الذنوب بالأيمان التي لم تكفرها، ثم إذا عدت وواقعت الذنب الذي تبت منه فعد وتب ولا تقنط من رحمة الله، فإنه لا يزال يغفر للعبد ما تاب إليه واستغفره، رزقنا الله وإياك توبة نصوحا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات