كيفية التوبة النصوح من تكرار المعصية

0 478

السؤال

أعمل صغائر الذنوب وأحرص على أن لا أداوم عليها، فهل إذا اجتنبتها لا تتحول إلى كبيرة؟. 

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاعلمي أن كل ابن آدم خطاء، وأن العبد إذا كان كلما أخطأ تاب واستغفر، فإنه يكون أحب إلى الله، قال تعالى: إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين {البقرة:222}.

وفي الحديث: كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون. رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد وغيرهم.

وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم

واجتناب الكبائر تكفر به السيئات، قال الله تبارك وتعالى: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما {النساء:31}. وقال: الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة {النجم:32}.

قال ابن عباس: ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه. متفق عليه.

لكن كونها صغيرة متجاوزا عنها مشروط بعدم الإصرار عليها، كما قال تعالى: والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون {آل عمران:135}.

وفي مسند أحمد: ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر لكم، ويل لأقماع القول، ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون.

فإنه لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار، كما قال أهل العلم، ولا ينبغي لأحد أن يتذرع لفعل المعاصي بكونها صغيرة، أو بكونها من غير إصرار، فإن ذلك قد يكون سببا في هلاكه، وقد جاء في الحديث: إياكم ومحقرات الذنوب كقوم نزلوا في بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى أنضجوا خبزتهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه. رواه الإمام أحمد.

وفي الحديث أيضا: إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب سقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه وهو الران الذي ذكر الله: كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.

وقد قال تعالى: كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم إنهم لصالو الجحيم {المطففين:14ـ 16}.

وهذه الصغائر هي التي تكفرها الأعمال الصالحة من فروض ونوافل، كما قال تعالى: وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين {هود:114}.

وفي الحديث: اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن. رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح.

ثم إن عدم الإصرار عليها لا يكون بفعلها مع الحرص على عدم المداومة كما ذكرت، بل هو بأن يتوب المذنب إذا فعل الذنب ويستغفر ويقلع عنه مع العزم على عدم العود إليه، أما فعله مع الاكتفاء بالحرص على عدم الإكثار منه، أو المداومة، أو بالاستغفار مع فعله، فهذا في نفسه ذنب آخر أعظم، فإن الأول هو عين الإصرار، والثاني فيه نوع من التلاعب، قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ في قوله تعالى: ولم يصروا على ما فعلوا ـ فيه إشارة إلى أن من شرط قبول الاستغفار أن يقلع المستغفر عن الذنب، وإلا فالاستغفار باللسان مع التلبس بالذنب كالتلاعب. اهـ.

قال ابن عباس: المستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه.

ولذلك جاء في الحديث الذي في البخاري ومسلم واللفظ له: أذنب عبد ذنبا، فقال اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد فأذنب، فقال أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك.

قال ابن حجر: وقال القرطبي في المفهم: يدل هذا الحديث على عظيم فائدة الاستغفار وعلى عظيم فضل الله وسعة رحمته وحلمه وكرمه، لكن هذا الاستغفار هو الذي ثبت معناه في القلب مقارنا للسان لينحل به عقد الإصرار ويحصل معه الندم، لا من قال أستغفر الله بلسانه وقلبه مصر على تلك المعصية، فهذا الذي استغفاره يحتاج إلى الاستغفار. اهـ.

قال النووي في شرح مسلم: لو تكرر الذنب مائة مرة، أو ألف مرة، أو أكثر، وتاب في كل مرة، قبلت توبته، وسقطت ذنوبه، ولو تاب عن الجميع توبة واحدة بعد جميعها صحت توبته، وقال: قوله: اعمل ما شئت ـ معناه ما دمت تذنب فتتوب غفرت لك. اهـ.

وعلى ما مر، فإن كنت تعنين ـ كما هو ظاهر كلامك ـ أنك تفعلين الذنب المعين مع العزم مسبقا على عدم المداومة عليه بأن تهمي بفعله في أوقات متفرقة، أو بأن لا تكثري منه، فهذا هو عين الإصرار، فلا تكونين بذلك قد اجتنبت أن تصير الصغيرة كبيرة، بل قد وقعت في ذلك، فينبغي عليك التوبة من هذا الذنب ومن هذا الإصرار، بالندم والإقلاع والعزم الصادق على عدم العود إليه، فإن عدت بعد ذلك لضعف نفس فتوبي منه مرة أخرى، مع عدم التعذر بكونه صغيرة، والله تواب غفور، يحب التوابين ويحب المتطهرين، وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه وأحسن خواتيم أعمالنا.

والله وأعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات