مقابلة السيئة بالحسنة مما يجلب المودة بين الأرحام

0 183

السؤال

لي أخ يكبرني سنا, حدثت مشاكل بيني وبين زوجته, فقد كانت تخطئ في حق أسرتنا كثيرا بقولها وفعلها, وكنت أتصدى لها، وشكوتها لزوجها فحدثت مشادة كلامية بيني وبينه, وقاطعني بعدها، وتكلمت معه أكثر من مرة لكي يترك هذه القطيعة لكنه رفض، ولم تفلح كافة الوساطات التي قام بها كل أفراد الأسرة تقريبا بمن فيهم زوجته في عدوله عن قرار القطيعة، وهذه القطيعة مستمرة منه منذ أكثر من سنة، وبسببها أقسم أني أصبحت لا أكره بشرا مسلما أكثر منه، وأنا أحاول جاهدة ألا أشاركه في هذه القطيعة، فألقي عليه السلام عند مروري به, وعندما أدخل مكانا يكون موجودا فيه, رغم أنه لا يلتفت لي، وأرد عليه إن سأل عن شيء أعرفه، وأجعل له نصيبا مما أصنع من طعام, لكني أكره أن أنتفع بمستلزمات المنزل التي يحضرها, مثل: الخبز, والصابون, وغيرها من المستلزمات المنزلية, فإذا لم ألق عليه السلام عندما يدخل هو مكانا أكون أنا موجودة فيه, أو إذا اشتريت مثلا خبزي الخاص أو صابوني الخاص فهل أكون قد شاركته في إثمه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصحك بالصبر, والتغلب على المشاكل التي تعكر أجواء القرابة بينك وبين أخيك، مع بذل السلام له كلما التقيتما, أو رده إذا سلم عليك، وكذلك إجابته إذا سألك عن شيء, ونحو ذلك من المعاملة الحسنة، ونذكرك بقول الله تعالى: فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم {فصلت:34}، وبقوله سبحانه: فمن عفا وأصلح فأجره على الله {الشورى:40}، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها. رواه البخاري.
قال ابن الجوزي - رحمه الله - في كشف المشكل: اعلم أن المكافئ مقابل الفعل بمثله، والواصل للرحم لأجل الله تعالى يصلها تقربا إليه وامتثالا لأمره وإن قطعت، فأما إذا وصلها حين تصله فذاك كقضاء دين. انتهى.
فإذا بذلت الأسباب الممكنة في إصلاح العلاقة، وفعلت ما سبق ذكره من السلام عليه إذا دخلت عليه, ورد سلامه إذا سلم عليك, وغير ذلك من المعاملة الحسنة فلا إثم عليك, وقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري بأي شيء يزول الهجر المحرم فقال - رحمه الله -: له: ولا يخفى أن هنا مقامين أعلى وأدنى: فالأعلى اجتناب الإعراض جملة, فيبذل السلام والكلام, والمواددة بكل طريق، والأدنى الاقتصار على السلام دون غيره، والوعيد الشديد إنما هو لمن يترك المقام الأدنى, وأما الأعلى فمن تركه من الأجانب فلا يلحقه اللوم بخلاف الأقارب, فإنه يدخل فيه قطيعة الرحم. انتهى.
ولا يلزمك بدؤه بالسلام إذا كان هو الذي دخل عليك المكان، فقد قال النووي - رحمه الله - في الأذكار: إذا ورد على قعود أو قاعد، فإن الوارد يبدأ بالسلام على كل حال، سواء كان صغيرا أو كبيرا، قليلا أو كثيرا. انتهى.
وكذلك لا يلحقك إثم في شراء خبزك وصابونك, وعدم الأخذ مما اشتراه هو من الخبز والصابون، إلا أن يكون ذلك سببا في زيادة العداوة والبغضاء، فالأولى حينئذ أخذ ما اشتراه من الخبز والصابون.
واعلمي أن مقابلة السيئة بالحسنة مما يوجد المودة، ويقي شر نزغات الشيطان، كما جاء في الآية السابق ذكرها من سورة فصلت.
وأن في العفو عن المسيء خيرا عظيما, وأنه يزيد صاحبه عزا وكرامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: .. وما زاد الله عبدا بعفو، إلا عزا. رواه مسلم.
كما أن المبادرة بالكلام الطيب ولو تكلفا هي مما يذهب الأحقاد, ويجلب المحبة، قال الغزالي - رحمه الله -: بل المجاملة تكلفا كانت أو طبعا تكسر سورة العداوة من الجانبين، وتقلل مرغوبها، وتعود القلوب التآلف والتحاب. انتهى.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة