إيضاحات ومعان حول الخلق

0 384

السؤال

قرأت عن ملك موكل بالرحم يخلق الجنين -بإذن الله- والأنبياء بعضهم خلق -بإذن الله- وبعد ذلك وسوس لي الشيطان أنهم خالقون مع الله، وأصبح يقول لي: إن الله هو الخالق، ولكن الملائكة والرسل أيضا خالقون، وأن الله جعلهم يخلقون لكي يكونوا شركاء معه. فهل عيسى -عليه السلام- من الله، أي: من روح الله؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فاعلمي أن الخلق يطلق ويراد به الإيجاد من العدم, وهو بهذا المعنى مختص بالله تعالى، فلا خالق إلا الله، فهو الذي يخلق من العدم, ويوجد الأشياء على غير مثال سابق, قال تعالى: ألا له الخلق والأمر {الأعراف: 54}, وقال تعالى: ذلكم الله ربكم خالق كل شيء {غافر: 62}, والآيات في هذا كثيرة.

وقد يطلق الخلق أيضا ويراد به الصنع, فيقال: خلق كذا ـ أي صنعه، وليس المراد إيجاده من العدم, ومن هذا قول الله تعالى للمشركين: إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا {العنكبوت:17}.

قال مجاهد: تصنعون أصناما بأيدكم فتسمونها آلهة, وكذا قوله تعالى: فتبارك الله أحسن الخالقين.

قال القرطبي: أحسن الخالقين: أتقن الصانعين، يقال لمن صنع شيئا خلقه، ومنه قول الشاعر:
ولأنت تفري ما خلقت وبع ... ض القوم يخلق ثم لا يفري. اهــ.

ومن ذلك قول عيسى عليه السلام: أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير ـ معناه أصور لكم وأصنع، قال القرطبي: أي: أصور وأقدر لكم، من الطين كهيئة الطير. اهـ.

وقال ابن عطية: وأخلق معناه، أقدر وأهيئ بيدي. اهـ.

والمعنى أن عيسى كان يشكل الطين على صورة طير, ثم ينفخ فيه فيصير طيرا حقيقيا ـ بإذن الله تعالى ـ فالتسوية من عيسى, والخلق من الله بدليل قوله: بإذن الله ـ قال الشوكاني في فتح القدير: قوله: بإذن الله ـ فيه دليل: على أنه لولا الإذن من الله عز وجل لم يقدر على ذلك، وأن خلق ذلك كان بفعل الله سبحانه، أجراه على يد عيسى عليه السلام قيل: كانت تسوية الطين والنفخ من عيسى، والخلق من الله عز وجل. اهــ.

وأما قول الله تعالى عن عيسى أنه روح منه: فليس معناه أنه جزء من الله - تعالى الله علوا كبيرا - بل معناه خلق منه أي: ابتداء خلقه من الله، كما يقال في النعمة نعمة منه, أي أنها من الله، وهذا للتشريف؛ لأن جميع الخلق من الله وجميع النعم من الله, قال القرطبي: روح منه ـ أي: من خلقه، كما قال: وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه {الجاثية: 13} أي من خلقه، وقيل: روح منه ـ أي: رحمة منه، فكان عيسى رحمة من الله لمن اتبعه، ومنه قوله تعالى: وأيدهم بروح منه {المجادلة: 22} أي: برحمة، وقرئ: فروح وريحان {الواقعة: 89} وقيل: وروح منه ـ وبرهان منه، وكان عيسى برهانا وحجة على قومه صلى الله عليه وسلم. اهــ.

وجاء في أضواء البيان للشنقيطي: ليست لفظة من في هذه الآية للتبعيض، كما يزعمه النصارى افتراء على الله، ولكن من هنا لابتداء الغاية، يعني أن مبدأ ذلك الروح الذي ولد به عيسى حيا من الله تعالى؛ لأنه هو الذي أحياه به، ويدل على أن من هنا لابتداء الغاية، قوله تعالى: وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه {الجاثية: 13} أي: كائنا مبدأ ذلك كله منه جل وعلا، ويدل لما ذكرنا ما روي عن أبي بن كعب أنه قال: خلق الله أرواح بني آدم لما أخذ عليهم الميثاق، ثم ردها إلى صلب آدم، وأمسك عنده روح عيسى عليه الصلاة والسلام، فلما أراد خلقه أرسل ذلك الروح إلى مريم، فكان منه عيسى عليه السلام ـ وهذه الإضافة للتفضيل؛ لأن جميع الأرواح من خلقه جل وعلا. اهـ.

وبهذا تعلمين أن الإشكال إنما ورد عليك بسبب عدم علمك بمعاني كلام العرب, وعدم التفريق بين خلق بمعنى أوجد من العدم, وخلق بمعنى صور وصنع, وكذا عدم تفريقك بين من التي للتبعيض وبين من التي للابتداء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة