التكرار من محاسن القرآن, ويشهد الفصحاء أن السنة بلغت الغاية في الفصاحة

0 414

السؤال

عندما قرأت القرآن والسنة النبوية انبهرت بهما من ناحية الموضوع والصياغة اللغوية، ولكنني عندما تعمقت عرفت أنهما كلام باطل، فالأحاديت ركيكة, والآيات مكررة نزلت في مناسبات عدة, مثل آية نزلت لتبرئة عائشة، وإخراج لزواج النبي صلى الله عليه وسلم من زوجة ابنه، وأخرى في أبي لهب، وقد عرفت أن القرآن نزل بدون تنقيط، والأحاديث النبوية دونت بعد 200 سنة من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، والاختلاف في التفاسير بين الشيعة والسنة, وتكفير الآخر دون سبب، مع العلم أنهم أفضل منا! أرجو الرد بسرعة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فاعلم - أيها السائل - أن الله تعالى يهدي من يشاء فضلا، ويضل من يشاء عدلا, قال تعالى: فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم {إبراهيم: 4},وكما قال تعالى: أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون {فاطر:8}.

ولا شك أن ما ذكرته من تنقص الكتاب والسنة ضلال مبين, ومخالف للواقع، فإن الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يوجد منها شيء ركيك اللفظ، بل يشهد الفصحاء والعلماء - حتى من غير المسلمين - أنها بلغت الغاية في الفصاحة والبيان, وصارت قواعد عظيمة في اللغة, يستشهد بها العلماء, ويجعلونها حكما على غيرها, وما ذكرته من تكرار بعض الآيات، فإن هذا التكرار من محاسن القرآن - لو كنت تعقل - ولذا قال الله تعالى: الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني.... {الزمر:23}.

قال الشيخ السعدي: مثاني ـ أي: تثنى فيه القصص والأحكام، والوعد والوعيد، وصفات أهل الخير وصفات أهل الشر، وتثنى فيه أسماء الله وصفاته، وهذا من جلالته، وحسنه، فإنه تعالى لما علم احتياج الخلق إلى معانيه المزكية للقلوب، المكملة للأخلاق، وأن تلك المعاني للقلوب، بمنزلة الماء لسقي الأشجار، فكما أن الأشجار كلما بعد عهدها بسقي الماء نقصت، بل ربما تلفت، وكلما تكرر سقيها حسنت وأثمرت أنواع الثمار النافعة، فكذلك القلب يحتاج دائما إلى تكرر معاني كلام الله تعالى عليه، وأنه لو تكرر عليه المعنى مرة واحدة في جميع القرآن، لم يقع منه موقعا، ولم تحصل النتيجة منه. اهـ.

فجعلك التكرار من المعايب يدل على عدم إدراكك لفائدته، وصدق من قال:

وكم من عائب قولا صحيحا   * وآفته من الفهم السقيم.

وأما قولك: إن السنة دونت بعد مائتي سنة ـ إن كنت تعني أن ابتداء تدوينها وقع بعد المائتين، فهذا جهل عظيم، وكل من له إلمام بالعلم الشرعي يعلم بطلان هذه الدعوى، فإن الأحاديث بدأ تدوينها تدوينا رسميا في نهاية القرن الأول الهجري, وذلك في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز, قال البخاري: وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم: انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولتفشوا العلم, ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرا... اهـ.

قال الحافظ بن حجر: يستفاد منه ابتداء تدوين الحديث النبوي، وكانوا قبل ذلك يعتمدون على الحفظ، فلما خاف عمر بن عبد العزيز - وكان على رأس المائة الأولى - من ذهاب العلم بموت العلماء رأى أن في تدوينه ضبطا له وإبقاء، وقد روى أبو نعيم في تاريخ أصبهان هذه القصة بلفظ: كتب عمر بن عبد العزيز إلى الآفاق انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه. اهـ.
وقبل ذلك كانت تكتب الأحاديث حتى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بشكل غير واسع؛ لأنهم كانوا يعتمدون على حفظ الصدور, وقد كتب العلماء الكتب الكثيرة في تاريخ تدوين السنة ونشأته وتطوره، ولو أنك اطلعت على شيء منها لما قلت تلك الجهالة الفاضحة.

أما احتجاجك باختلاف التفاسير بين السنة والشيعة: فإن هذا ليس بحجة تطعن بها في الدين، ومن كان عنده عقل واطلع على تفاسير هؤلاء وهؤلاء أدرك الحق وعرف أهله.

أخيرا, فإننا ندعو السائل إلى التوبة والإنابة إلى الله تعالى، فإنه من تاب وأناب هداه الله، قال تعالى: الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب {الشورى:13}.

وليكثر من دعاء الله بأن يريه الحق حقويرزقه اتباعه، ويريه الباطل باطلا ويرزقه اجتنابه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات