حكم طلاق الغضبان والطلاق المعلق على موافقة الزوجة عليه

0 653

السؤال

أنا رجل عمري أربعون سنة، متزوج منذ ستة عشر عاما, ولي طفلان, وطلقت زوجتي خلالها ثلاث مرات، آخرها الأربعاء الماضي - 24 يوليو - ولم نثبت أيا من هذه الطلقات حتى الآن عند المأذون, وتفصيلها كالتالي:
الأولى: كانت بعد زواجنا بقليل - أواخر عام 1997 - وطلقتها في ساعة غضب شديد نتيجة لتهجمها على أهلي وشخصي بألفاظ نابية بسبب بعض المعاملات مع الأهل, فطلقتها دون نية, وكان القصد أن أزجرها عن فعلها, وكنت أنوي أن أضربها أو أخنقها فتموت في يدي نتيجة عصبيتي الشديدة, فأجرى الشيطان لساني قبل قلبي أو إدراكي, ولم نثبت هذا الطلاق لكونه جاء في غضب, وتراجعنا بعدها بقليل دون شهود, ولكن الله وحده يشهد ويعلم.
والثانية: بعد إنجاب ابنتي بقليل - عام 1999 – فقد حدث شجار عنيف بيننا, وفوجئت بزوجتي تلقي بابنتي الرضيعة من على كتفها فوق السرير بعنف وغضب, فذهلت وتوقف تفكيري, ووجدت نفسي ألقي عليها يمين الطلاق, وأنا أجري إلى ابنتي لأرى إن كان حصل لها مكروه, وأقسم بالله أنني لم أدر ما أفعله, فمنظر ابنتي وهي ترمى على السرير بعنف أصابني بشيء من الجنون, ولم أكن أفكر أبدا فيما أقوله أو أقصده, ولم نثبت هذه الطلقة أيضا عند المأذون, وتراجعنا بعد أن هدأت نفسي واطمأننت على ابنتي - ولله الحمد - وندمت هي على ما فعلته بابنتنا, والله وحده يعلم ويشهد.
وبعد مرور أعوام كثيرة حدث فيها ما حدث, ولكنني تماسكت - ولله الحمد - أمام عصبيتي, وتعهدها لي بألا تسبني أو أهلي وألا تفعل ما يسيء, وأشهد الله أنها تحفظني في مالي وعرضي وأولادي, وتصلي دائما؛ حتى جاءت المرة الثالثة يوم الأربعاء الماضي - 24 يوليو 2013– فقد امتد الخلاف من أول رمضان بسبب المصاريف والإنفاق, ومتطلبات البيت, وعادت لتطاولها على شخصي وأهلي مرة ثانية, ووصفتني بالجنون, وبأنني لست رجلا, ولا أستطيع فتح البيت، فكتمت غضبي إلى أقصى ما أستطيع, خاصة أننا في شهر رمضان, وأولادي قد كبروا, فتوضأت وصليت العصر, وأمسكت لها المصحف هذه المرة, وكنت هادئا رغم دموعي حزنا على ما أنوي عمله, وجعلتها تقسم إن كانت تريد الطلاق ولا تتحمل العيش معي, فأقسمت وألقيت عليها الطلاق, رغم أنني علقت نية الطلاق في نفسي على ردها إن قالت: نعم أريده طلقتها, وإن لم تقلها ولم تقسم لم أكن لأطلقها أبدا, وأقسم على ذلك يمينا صادقة بالله عز وجل.
وحتى الآن لم أثبت أي طلقة عند المأذون, وقد خرجت من البيت وتركته لها ولأولادي منتظرا رأي الشرع في وضعنا, وأشهد الله وأقسم به سبحانه وتعالى أن طلاقي في المرتين الأولى والثانية كان وليد غضب وعصبية, ولم يكن أبدا عن نية وقصد, وأقسم بالله العظيم أن اللسان سبق الفكر والقلب نتيجة العصبية والغضب, فأنا – للأسف - قد أسب أو أشتم أو أتفوه بألفاظ ثم أهدأ بعدها وأندم على ما نطق به لساني دون تفكير من عقلي نتيجة الانفعال الذي يغلب على عقلي، حتى الطلقة الثالثة علقت قولي بردها هي, ولم أكن أنويه إلا يأسا وقلة حيلة مني, فانفصلت عنها واستخرت الله, فوجدت - قسما بالله العظيم - حديث نبينا محمد عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات, ولكل امرئ ما نوى) يتردد بداخلي, وأنا في المرتين الأولى والثانية لم أكن أنوي ذلك أبدا, لكني أحسست بأنني مغيب, ولا أدري ما أقوله في لحظة طيش وغضب, وقد ندمت عليهما, ولم تتكرر إلا بعد سنين طوال, فما رأي الشرع في ذلك؟ أفيدوني - أفادكم الله - خاصة أنني قرأت لابن قيم الجوزية وابن تيمية وغيرهما أن طلاق الغضبان لا يقع إن كان لا يميز ما يقول, ويسبق لسانه تفكيره, أو كما يقول الحديث: (لا طلاق ولا عتاق في إغلاق)؟ وقد انغلق فعلا فكري عن النظر والتفكير, ولم أقصد الكلام, أو لم يكن بإرادتي ونيتي أبدا, وكانت الأولى في طهر جامعتها فيه, وهذا ما جعل الطلقتين الأولى والثانية - في رأيي - لا تنفذان ولم أثبتهما أبدا, وندمت عليهما أشد الندم؛ لأنني نطقت كلمة الطلاق من أساسه بعد حبي وعشرتي لزوجتي, وكلانا الآن يريد العودة, وندمنا على ما فعلناه في أنفسنا وأولادنا؛ نتيجة استماعنا لعدو يريد هدم بيتنا, وهو الشيطان الرجيم - أعاذنا الله وإياكم منه, ومن وسوسته وهمزاته -أفتوني بعلم وروية - جزاكم الله كل الخير, وأثابكم بالحسنى -.

الإجابــة

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

  فسبحان الله، كيف ينسى الإنسان أو يتناسى أن هذه الحياة الدنيا دار ابتلاء وامتحان، وأنها دار معبر، وأن الآخرة دار المقر, والحياة الزوجية وسيلة للسير بها إلى الله تعالى وتحقيق سعادة الدنيا والآخرة، أو هكذا ينبغي أن تكون, فإذا غابت هذه الحقيقة عن بال كل من الزوجين حدث بينهما من الأمور ما لا يتصور، ومن الخصام ما لا يحتمل, فعلى كل من الزوجين أن يتقي الله في الآخر, ويجعله بابا لدخول الجنة, وراجع الفتويين: 7990158807 هذا أولا.

ثانيا: المفتى به عندنا فيما يتعلق بالغضب هو أن صاحبه مكلف إلا في حالة واحدة, وهي التي لا يعي فيها ما يقول, فإذا طلق الغضبان وهو مدرك لما تلفظ به وقع طلاق، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 35727 هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الراجح عندنا هو أن الطلاق البدعي يقع، ومنه طلاق المرأة في طهر جامعها زوجها فيه, كما هو مبين في الفتوى رقم: 31275.

ولا يشترط لوقوع الطلاق توثيقه عند مأذون أو غيره.

ثالثا: إذا تلفظ الزوج بصريح الطلاق كأن يقول لزوجته مثلا: "أنت طالق" ففي هذه الحالة يقع الطلاق, ولا اعتبار لقصد الزوج ونيته، فإن كنت في المرة الأولى تلفظت بمثل هذا اللفظ وأنت في وعيك وقعت الطلقة, وانظر الفتوى رقم: 117840, وكذلك الحال في المرة الثانية إن تلفظت فيها بصريح الطلاق وأنت واع, فالطلقة واقعة أيضا, ولو لم تنو الطلاق.

رابعا : حاصل الأمر في المرة الثالثة أنك طلقت زوجتك، فقد وقعت الطلقة.

وما ذكرته من أمر النية فيه لا أثر له, خاصة أن ما فعلته حصل وفقا لما نويت ورددته في نفسك, وهو أنها إن قالت نعم طلقتها، وقد قالت ذلك وطلقتها فعلا بناء على ذلك.

فحسب ما يظهر لنا أن زوجتك قد بانت منك بينونة كبرى, فلا تحل لك حتى تنكح زوجا غيرك - نكاح رغبة لا نكاح تحليل - ثم يطلقها؛ لقول الله تعالى : فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون {البقرة:230}.

وما ذهب إليه ابن تيمية وتلميذه ابن القيم من عدم وقوع الطلاق في المرتبة التي أشرت إليها قول معتبر، وما نفتي به ذكرناه سابقا, وكان يسعك الأخذ بقولهم، أما وقد استفتيتنا فقد أفتيناك بما هو مترجح عندنا.

وننبه إلى بعض الأمور:

الأمر الأول: أن يتقي الزوجان أسباب الشقاق والنزاع قدر الإمكان، وأن يعرف كل منهما للآخر حقه عليه, ويقوم به كاملا لتستقر الأسرة, ويدوم فيها المحبة والوئام كما أمر الله تعالى, وتراجع الفتوى رقم: 27662, والفتوى رقم: 93248.

الأمر الثاني: الحذر من الغضب, فإنه أصل لكثير من المفاسد والشرور، ووسيلة من وسائل الشيطان للوقيعة بين بني الإنسان - لا سيما الزوجان - ولمعرفة كيفية علاج الغضب يمكن مطالعة الفتوى رقم: 8038 .

الأمر الثالث: أن الواجب في مثل هذه الحالة الاستفتاء، ففرض العامي سؤال أهل العلم فيما يحتاج إلى معرفته، فإذا أفتوه بأمر وجب عليه المصير إلى قولهم. وأما الاستخارة فلا محل لها هنا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة