معنى الحلم والفرق بينه وبين الصبر

0 507

السؤال

ما هو مفهوم الحلم؟ ومتى يقال عن شخص بأنه حليم؟ وما هو حده؟ وهل هو الصبر على الأذي من أحد في حين أنه يمكن أن يعتدي عليه شخص بأسلوب سيء للغاية في عرضه وشرفه وجسده ويصبر على ذلك؟ وماذا لو كان هذا الاعتداء من أهله؟ ومن أين يستطيع المسلم اكتساب الصبر بأعلى درجاته ويكون راضيا بما يجري له في ذات الوقت؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد جاء في موسوعة نضرة النعيم في بيان معنى الحلم: اختلف في الحلم اصطلاحا على أقوال أهمها:

الأول: قال الراغب: الحلم ضبط النفس والطبع عند هيجان الغضب.

الثاني: قال الجاحظ: الحلم ترك الانتقام عند شدة الغضب مع القدرة على ذلك.

الثالث: قال الجرجاني: الحلم هو الطمأنينة عند سورة الغضب، وقيل: تأخير مكافأة الظالم ـ أي مجازاته بظلمه.

الرابع: قال ابن المناوي: الحلم هو احتمال الأعلى الأذى من الأدنى، أو رفع المؤاخذة عن مستحقها بالجناية في حق مستعظم أو هو رزانة في البدن يقتضيها وفور العقل. اهـ.

وهناك فرق بين الحلم والصبر، جاء في الفروق للعسكري: أن الحلم هو الإمهال بتأخير العقاب المستحق، ولا يجوز الحلم إذا كان فيه فساد على أحد من المكلفين، ولا يصح الحلم إلا ممن يقدر على العقوبة وما يجري مجراها من التأديب بالضرب وهو ممن لا يقدر على ذلك، ولهذا قال الشاعر: لا صفح ذل ولكن صفح أحلام... ولا يقال لتارك الظلم حليم، إنما يا قال حلم عنه إذا أخر عقابه، أو عفا عنه ولو عاقبه كان عادلا، والصبر حبس النفس المصادفة المكروه، وصبر الرجل حبس نفسه عن إظهار الجزع والجزع إظهار ما يلحق المصاب من المضض والغم. اهـ باختصار.

ولا تلازم بين الصبر وبين العفو عن الظالم المعتدي، فالصبر متعلق بما قدره الله من مصيبة الظلم، وحقيقته ألا يجزع العبد من تقدير الله لهذه المصيبة وألا يتسخط منها، وليس من لازم صبر المظلوم أن يعفو عن ظالمه، وليعلم أن الحلم الذي تترتب عليه مفسدة ليس بحلم على الحقيقة وليس محمودا بل هو مذموم، قال ابن القيم: وكل خلق محمود مكتنف بخلقين ذميمين، وهو وسط بينهما، وطرفاه خلقان ذميمان، كالجود: الذي يكتنفه خلقا البخل والتبذير، فإن النفس متى انحرفت عن التوسط انحرفت إلى أحد الخلقين الذميمين ولابد.. وإذا انحرفت عن خلق الحلم انحرفت: إما إلى الطيش والترف والحدة والخفة، وإما إلى الذل والمهانة والحقارة، ففرق بين من حلمه حلم ذل ومهانة وحقارة وعجز، وبين من حلمه حلم اقتدار وعزة وشرف، كما قيل: كل حلم أتى بغير اقتدار... حجة لاجئ إليها اللئام. اهـ بتصرف من مدارج السالكين.

وقال العسكري كما تقدم: ولا يجوز الحلم إذا كان فيه فساد على أحد من المكلفين. اهـ. 

فليس للشخص أن يتغاضى عمن يتعرض لعرضه بحجة الحلم، فإن هذا ليس هو محل الحلم الممدوح، وليعلم أن محل الندب إلى العفو في الشرع هو إذا كان في العفو إصلاح، أما إن كان العفو يؤدي إلى مفسدة فينبغي الأخذ بالحق وعدم العفو، قال الشيخ ابن عثيمين: والعافين عن الناس ـ يعني: الذين إذا أساء الناس إليهم عفوا عنهم، فإن من عفا وأصلح فأجره على الله، وقد أطلق الله العفو هنا ولكنه بين قوله تعالى: فمن عفا وأصلح فأجره على الله ـ أن العفو لا يكون خيرا إلا إذا كان فيه إصلاح، فإذا أساء إليك شخص معروف بالإساءة والتمرد والطغيان على عباد الله، فالأفضل ألا تعفو عنه وأن تأخذ بحقك، لأنك إذا عفوت ازداد شره، أما إذا كان الإنسان الذي أخطأ عليك قليل الخطأ قليل العدوان لكن أمر حصل على سبيل الندرة فهنا الأفضل أن تعفو. اهـ.

والمعتدون من الأهل أولى بالعفو والصفح من غيرهم إن كان في ذلك إصلاح، فقد جاء في حديث أبي هريرة: أن رجلا قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ـ وهو الرماد الحار ـ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. أخرجه مسلم.

وأما إن كان في العفو عنهم مفسدة فينبغي الأخذ بالحق وعدم العفو، وانظر وسائل التخلق بالحلم في الفتوى رقم: 24820.

وانظر بعض الوسائل المعينة على تحقيق الصبر في الفتوى رقم: 203794.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة