من أخذ لقطة وهو يظن أنها له ثم شك

0 182

السؤال

السؤال هو: في يوم من الأيام كنت نازلة من السيارة ورأيت خمسة في الشارع فتوقعت أنها ساقطة مني، فأخذتها، ولما دخلت البيت شككت هل هي لي أم لا؟ والأرجح أنها ليست لي، فوضعتها في صندوق الصدقة في منزلنا بنية أنها عن صاحبها، ثم تراجعت وأخذتها، ولا أعلم ماذا أفعل؟ وهل أعيدها إلى الشارع؟ أم أتصدق بها عن صاحبها؟ أرجو إفتائي.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاللقطة التي يجب تعريفها هي ما تتبعها نفس صاحبها، لما لها من قيمة معتبرة، أما الشيء التافه والحقير فلا بأس من تملكه، والانتفاع به دون تعريف، قال الدردير المالكي وهو يتحدث عن اللقطة التي يجب تعريفها: لا إن كان تافها لا تلتفت إليه النفوس كل الالتفات. انتهى.

وقال ابن قدامة الحنبلي: ولا نعلم خلافا بين أهل العلم في إباحة أخذ اليسير والانتفاع به. انتهى.

والضابط في تحديد اليسير من غيره هو العرف، نص على ذلك الحنابلة وغيرهم، والظاهر أن الخمسة إذا كانت ريالات فإنها تعتبر شيئا يسيرا، وأما إن كانت اللقطة ذات قيمة بحيث تتبعها همة أوساط الناس فيجب تعريفها سنة قمرية كاملة من وقت التقاطها، ففي الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة فقال: اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها.

قال النووي في شرح مسلم عن هذا الحديث: وأما تعريف سنة: فقد أجمع المسلمون على وجوبه إذا كانت اللقطة ليست تافهة ولا في معنى التافهة ولم يرد حفظها على صاحبها، بل أراد تملكها، ولا بد من تعريفها سنة بالإجماع، فأما إذا لم يرد تملكها، بل أراد حفظها على صاحبها، فهل يلزمه التعريف؟ فيه وجهان لأصحابنا: أحدهما: لا يلزمه، بل إن جاء صاحبها وأثبتها دفعها إليه وإلا دام حفظها، والثاني وهو الأصح: أنه يلزمه التعريف لئلا تضيع على صاحبها، فإنه لا يعلم أين هي حتى يطلبها، فوجب تعريفه. انتهى.

وقد ذكر السرخسي في كتابه المبسوط أن من أخذ لقطة وهو يظن أنها له ـ كما هو الحال معك ـ فلا يضمنها إن أعادها إلى مكانها، ولو هلكت بعد إرجاعها أو استهلكها ملتقط آخر، قال رحمه الله تعالى: وإذا أخذ الرجل لقطة ليعرفها ثم أعادها إلى المكان الذي وجدها فيه، فلا ضمان عليه لصاحبها وإن هلكت قبل أن يصل إليها صاحبها أو استهلكها رجل آخر، لأن أخذها للتعريف لم يكن سببا لوجوب الضمان عليه، وكذلك ردها إلى مكانها، لأنه نسخ لفعله، فلا يكون سببا لوجوب الضمان عليه كرد الوديعة إلى مالكها، ورد المغصوب إلى صاحبه، ولأنه بمجرد الأخذ لا يصير ملتزما للحفظ، فقد يأخذها على ظن أنها له بأن كان سقط منه مثلها، فإذا تأملها وعلم أنها ليست له ردها إلى مكانها، وقد يأخذها ليعرف صفتها حتى إذا سمع إنسانا يطلبها دله عليها، وقد يأخذها ليحفظها على المالك وهو يطمع في أن يتمكن من أداء الأمانة فيها، فإذا أحس بنفسه عجزا أو طمعا في ذلك ردها إلى مكانها، فلهذا لا يضمن شيئا، وإنما الضمان على المستهلك لها، وإن كان الأول أخذها لنفسه ثم أعادها إلى مكانها فهو ضامن لها إن هلكت، وإن استهلكها غيره فلصاحبها الخيار يضمن أيهما شاء، لأن أخذها لنفسه سبب موجب للضمان عليه، وبعد ما وجب الضمان لا يبرأ إلا بالرد على المالك كالغاصب، وإعادتها إلى مكانها ليس برد على المالك، فلا يكون مسقطا للضمان عليه. انتهى.

وللفائدة يرجى مراجعة الفتويين رقم: 53795، ورقم: 59086.

والله أعلم. 

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة