ما صحة مقولة: "ذنب يدخل صاحبه الجنة"؟

0 267

السؤال

ما رأي فضيلتكم في إطلاق لفظ: (ذنب يدخلك الجنة) على هذا الموضوع: ذنب يدخل صاحبه الجنة. قال بعض السلف: قد يعمل العبد ذنبا فيدخل به الجنة، ويعمل الطاعة فيدخل بها النار! قالوا: وكيف ذلك؟ قال: يعمل الذنب فلا يزال يذكر ذنبه، فيحدث له انكسارا وذلا وندما، ويكون ذلك سبب نجاته, ويعمل الحسنة، فلا تزال نصب عينيه، كلما ذكرها أورثته عجبا وكبرا ومنة, فتكون سبب هلاكه - جزاكم الله خيرا -؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فإن دخول الجنة ليس بسبب الذنب, وإنما هو بسبب التوبة، كما قال الله تعالى عن عباده المتقين: والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون . أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين {آل عمران:136}.

 فليست الفائدة في الذنب بذاته, وإنما هي في الخوف من خطره الذي سبب التوبة، التي تورث ذلا وانكسارا، فتكون خيرا مما قد يورثه العمل الصالح لدى بعض الناس من العجب, وهذا الكلام ذكره بعض السلف, كما قال ابن القيم في مدارج السالكين، ولكنه لا يراد به التنويه بالذنوب, كما قال المناوي في فيض القدير عن ابن عطاء الله .. رب معصية أورثت ذلا وافتقارا، خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا. اهـ.

 قال المناوي: وهذا كله ليس تنويها لارتكاب الخطايا، بل المراد أنه إذا أذنب فندم بذله وانكساره، نفعه ذلك. اهـ.

 وقال ابن القيم في مدارج السالكين: الوجه الخامس: أن الذنب قد يكون أنفع للعبد إذا اقترنت به التوبة، من كثير من الطاعات, وهذا معنى قول بعض السلف: قد يعمل العبد الذنب فيدخل به الجنة, ويعمل الطاعة فيدخل بها النار، قالوا: وكيف ذلك؟ قال: يعمل الذنب فلا يزال نصب عينيه، إن قام، وإن قعد، وإن مشى ذكر ذنبه، فيحدث له انكسارا، وتوبة، واستغفارا، وندما، فيكون ذلك سبب نجاته, ويعمل الحسنة، فلا تزال نصب عينيه، إن قام, وإن قعد، وإن مشى، كلما ذكرها أورثته عجبا وكبرا ومنة, فتكون سبب هلاكه, فيكون الذنب موجبا لترتب طاعات وحسنات، ومعاملات قلبية، من خوف الله، والحياء منه، والإطراق بين يديه منكسا رأسه خجلا، باكيا نادما، مستقيلا ربه, وكل واحد من هذه الآثار أنفع للعبد من طاعة توجب له صولة، وكبرا، وازدراء بالناس، ورؤيتهم بعين الاحتقار, ولا ريب أن هذا الذنب خير عند الله، وأقرب إلى النجاة والفوز من هذا المعجب بطاعته، الصائل بها، المان بها وبحاله على الله عز وجل وعباده، وإن قال بلسانه خلاف ذلك، فالله شهيد على ما في قلبه. اهـ.

  والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات